محذوف تقديره حتى يصدر الرعاء مواشيهم ، وقرأ أبو عمرو وابن عامر : يصدر بفتح الياء وضم الدال أي ينصرفون عن الماء (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) أي لا يستطيع أن يباشر سقي غنمه ، وهذا الشيخ هو شعيب عليهالسلام في قول الجمهور ، وقيل : ابن أخيه ، وقيل : رجل صالح ليس من شعيب بنسب (فَسَقى لَهُما) أي أدركته شفقته عليهما فسقى غنمهما وروي أنه كان على فم البئر صخرة لا يرفعها إلا ثلاثون رجلا فرفعها وحده (تَوَلَّى إِلَى الظِّلِ) أي جلس في الظل ، وروي أنه كان ظل سمرة (إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) طلب من الله ما يأكله وكان قد اشتدّ عليه الجوع.
(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما) قبل هذا كلام محذوف تقديره : فذهبتا إلى أبيهما سريعتين ، وكانت عادتهما الإبطاء في السقي ، أخبرتاه بما كان من أمر سقي الرجل لهما ، فأمر إحداهما أن تدعوه له فجاءته ، واختلف هل التي جاءته الصغرى أو الكبرى (عَلَى اسْتِحْياءٍ) روي أنها سترت وجهها بكم درعها والمجرور يتعلق بما قبله وقيل : بما بعده وهو ضعيف (وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) أي ذكر له قصته (لا تَخَفْ) أي قد نجوت من فرعون وقومه (اسْتَأْجِرْهُ) أي اجعله أجيرا لك (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) هذا الكلام حكمة جامعة بليغة ، روي أن أباها قال لها من أين عرفت قوته وأمانته ، قالت أما قوته ففي رفعه الحجر عن فم البئر : وأما أمانته فإنه لم ينظر إليّ (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَ) زوجته التي دعته ، واختلف هل زوّجه الكبرى أو الصغرى ، واسم التي زوجه صفور ، وقيل : صفوريا ، ومن لفظ شعيب حسن أن يقال في عقود الأنكحة : أنكحه إياها أكثر من أن يقال أنكحها إياه (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) أيّ أزوجك بنتي على أن تخدمني ثمانية أعوام ، قال مكي : في هذه الآية خصائص في النكاح ، منها أنه لم يعين الزوجة ، ولا حدّ أول الأمد ، وجعل المهر إجارة ، قلت : فأما التعيين فيحتمل أن يكون عند عقد النكاح بعد هذه المراودة ، وقد قال الزمخشري : إن كلامه معه لم يكن عقد نكاح ، وإنما كان مواعدة وأما ذكر أول الأمد ، فالظاهر أنه من حين العقد ، وأما النكاح بالإجارة فظاهر من الآية ، وقد قرره شرعنا حسبما ورد في الحديث الصحيح من قوله صلىاللهعليهوسلم للرجل : «قد زوجتكها على ما معك من القرآن» ؛ أي على أن تعلمها ما عندك من القرآن (١) ، وقد أجاز النكاح بالإجارة الشافعي
__________________
(١). الحديث أخرجه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي في كتاب الوكالة ص ٦٣ ج ٣.