غيرها من الطاعات ، وسماها بذكر الله ، لأن ذكر الله أعظم ما فيها ، كأنه أشار بذلك إلى تعليل نهيها عن الفحشاء والمنكر ، لأن ذكر الله فيها هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر : الثاني أن ذكر الله على الدوام أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من الصلاة ، لأنها في بعض الأوقات دون بعض : الثالث أن ذكر الله أكبر أجرا من الصلاة ومن سائر الطاعات ، كما ورد في الحديث ألا أنبئكم بخير أعمالكم ؛ قالوا : بلى قال : ذكر الله (١) (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي لا تجادلوا كفار أهل الكتاب إذا اختلفتم معهم في الدين إلا بالتي هي أحسن ، لا بضرب ولا قتال ، وكان هذا قبل أن يفرض الجهاد ، ثم نسخ بالسيف ، ومعنى إلا الذين ظلموا : أي ظلموكم ، وصرحوا بإذاية نبيكم محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : معنى الآية ؛ لا تجادلوا من أسلم من أهل الكتاب فيما حدثوكم به من الأخبار إلا بالتي هي أحسن ، ومعنى إلا الذين ظلموا على هذا من بقي منهم على كفره ، والمعنى الأول أظهر (وَقُولُوا آمَنَّا) هذا وما بعده يقتضي مواعدة ومسالمة ، وهي منسوخة بالسيف ، ويقتضي أيضا الأعراض عن مكالمتهم ، وفي الحديث : لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ، فإن كان باطلا لم تصدقوهم ، وإن كان حقا لم تكذبوهم (٢).
(وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) أي كما أنزلنا الكتاب على من قبلك أنزلناه عليك (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) يعني عبد الله بن سلام وأمثاله ، ممن أسلم من اليهود والنصارى (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) أراد بالذين أوتوا الكتاب أهل التوراة والإنجيل ، وأراد بقوله : من هؤلاء من يؤمن به كفار قريش ، وقيل : أراد بالذين أوتوا الكتاب المتقدّمين من أهل التوراة والإنجيل ، وأراد بهؤلاء المعاصرين لمحمد صلىاللهعليهوسلم منهم كعبد الله بن سلام (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ) هذا احتجاج على أن القرآن من عند الله ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم كان لا يقرأ ولا يكتب ، ثم جاء بالقرآن. فإن قيل : ما فائدة قوله بيمينك؟ فالجواب أن ذلك تأكيد للكلام ، وتصوير للمعنى المراد (إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) أي لو كنت تقرأ أو تكتب لتطرق الشك إلى الكفار ، فكانوا يقولون : لعله تعلم هذا الكتاب أو قرأه ، وقيل : وجه الاحتجاج أن أهل الكتاب كانوا يجدون في كتبهم أن النبي صلىاللهعليهوسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب ، فلما جعله الله
__________________
(١). رواه أحمد عن أبي الدرداء ج ٦ ص ٤٤٧.
(٢). الحديث رواه أحمد عن أبي نملة الأنصاري ج ٤ ص ١٣٦ وأوله : إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم.