كما تخافون الأحرار مثلكم ، لأن العبيد عندكم أقل وأذل من ذلك (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ) الإضراب ببل عما تضمنه معنى الآية المتقدمة كأنه يقول : ليس لهم حجة في إشراكهم بالله ؛ بل اتبعوا في ذلك أهواءهم بغير علم (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) هو دين الإسلام ، وإقامة الوجه في الموضعين من السورة عبارة عن الإقبال عليه والإخلاص فيه في قوله : أقم ، والقيم ضرب من ضروب التجنيس (فِطْرَتَ اللهِ) منصوب على المصدر : كقوله : صبغة الله أو مفعولا بفعل مضمر تقديره : الزموا فطرة الله ، أو عليكم فطرة الله ، ومعناه خلقة الله ، والمراد به دين الإسلام ، لأن الله خلق الخلق عليه ، إذ هو الذي تقتضيه عقولهم السليمة ، وإنما كفر من كفر لعارض أخرجه عن أصل فطرته ، كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه (١).
(لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) يعني بخلق الله الفطرة التي خلق الناس عليها من الإيمان ، ومعنى أن الله لا يبدلها ، أي لا يخلق الناس على غيرها ، ولكن يبدلها شياطين الإنس والجن بعد الخلقة الأولى ، أو يكون المعنى أن تلك الفطرة لا ينبغي للناس أن يبدلوها ، فالنفي على هذا حكم لا خبر وقيل : إنه على الخصوص في المؤمنين ؛ أي لا تبديل لفطرة الله في حق من قضى الله أنه يثبت على إيمانه ، وقيل : إنه نهى عن تبديل الخلقة كخصاء الفحول من الحيوان ، وقطع آذانها وشبه ذلك (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) منصوب على الحال من قوله : أقم وجهك لأن الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والمراد هو وأمته ، ولذلك جمعهم في قوله منيبين ، وقيل : هو حال من ضمير الفاعل المستتر في الزموا فطرة الله ، وقيل : هو حال من قوله : فطر الناس وهذا بعيد (وَاتَّقُوهُ) وما بعده معطوف على أقم وجهك أو على العامل في فطرة الله وهو الزموا المضمر (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) المجرور بدل من المجرور قبله ، ومعنى فرقوا دينهم : جعلوه فرقا أي اختلفوا فيه ، وقرئ : فارقوا من المفارقة أي تركوه ، والمراد بالمشركين هنا أصناف الكفار ، وقيل : هم المسلمون الذي تفرقوا فرقا مختلفة ، وفي لفظ المشركين هنا تجوّز بعيد ، ولعل قائل هذا القول إنما قاله في قول الله في [الأنعام : ١٥٩] «إن الذين فرقوا دينهم» فإنه ليس هناك ذكر المشركين (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) بالآية : إنحاء على المشركين ، لأنهم يدعون الله في
__________________
(١). أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة ج ٢ ص ٢٧٥.