الشدائد ويشركون به في الرخاء (لِيَكْفُرُوا) ذكر في [النحل : ٥٥] (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) أم هنا منقطعة بمعنى بل ، والسلطان الحجة ، وكلامه مجاز كما تقول نطق : بكذا ، والمعنى ليس لهم حجة تشهد بصحة شركهم (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) إنحاء على من يفرح ويبطر إذا أصابه الخير ، ويقنط إذا أصابه الشر ، وانظر كيف قال هنا إذا ، وقال في الشر إن تصبهم سيئة ، لأن إذا للقطع بوقوع الشرط ، بخلاف إن فإنها للشك في وقوعه ، ففي ذلك إشارة إلى أن الخير الذي يصيب به عباده أكثر من الشرّ (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) المعنى أن ما يصيب الناس من المصائب ، فإنه بسبب ذنوبهم (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) يعني صلة رحم القرابة بالإحسان والمودّة ، ولو بالكلام الطيب.
(وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ) الآية : معناها كقوله (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) [البقرة : ٢٧] أي ما أعطيتم من أموالكم على وجه الربا فلا يزكو عند الله ، وما آتيتم من الصدقات : فهو الذي يزكو عند الله وينفعكم به ، وقيل : المراد أن يهب الرجل للرجل أو يهدي له ليعوض له أكثر من ذلك ، فهذا وإن كان جائزا فإنه لا ثواب فيه. وقرئ «وما آتيتم» بالمد بمعنى أعطيتم (١) وبالقصر يعني : جئتم أي فعلتموه ، [وقرأ نافع] لتربوا بالتاء المضمومة [والباقون] ليربوا بالياء مفتوحة ونصب الواو (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) المضعف ذو الإضعاف من الحسنات ، وفي هذه الجملة التفات لخروجه من الغيبة إلى الخطاب ، وكان الأصل أن يقال : وما آتيتم من زكاة فأنتم المضعفون ، وفيه أيضا حذف ، لأنه لا بد من ضمير يرجع إلى ما ، وتقديره المضعفون به أو فمؤتوه هم المضعفون.
(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (٢) قيل : البر البلاد البعيدة من البحر ، والبحر هو البلاد التي على ساحل البحر ، وقيل : البر اللسان والبحر القلب وهذا ضعيف ، والصحيح أن البر والبحر المعروفان ، فظهور الفساد في البر بالقحط والفتن وشبه ذلك ، وظهور الفساد في البحر بالغرق وقلة الصيد وكساد التجارات وشبه ذلك ، وكل ذلك بسبب ما يفعله الناس من
__________________
(١). هي قراءة جميع القراء ما عدا ابن كثير الذي قرأها : أتيتم.
(٢). هذا من إعجاز القرآن فقد ظهر الفساد بجميع صورة في البر والبحر مما لم يكن في عصر المؤلف.