(وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) يعني الملائكة (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أي حصروا المدينة من أعلاها ومن أسفلها ، وقيل : معنى من فوقكم أهل نجد ، لأن أرضهم فوق المدينة ومن أسفل منكم أهل مكة وسائر تهامة (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) أي مالت عن مواضعها وذلك عبارة عن شدة الخوف (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) جمع حنجرة وهي الحلق وبلوغ القلب إليها مجاز ، وهو عبارة عن شدّة الخوف وقيل : بل هي حقيقة ، لأن الرئة تنتفخ من شدة الخوف ، فتربو ويرتفع القلب بارتفاعها إلى الحنجرة (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) أي : تظنون أن الكفار يغلبونكم ، وقد وعدكم الله بالنصر عليهم ، فأما المنافقون فظنوا ظن السوء وصرحوا به ، وأما المؤمنون فربما خطرت لبعضهم خطرة مما لا يمكن البشر دفعها ، ثم استبصروا ووثقوا بوعد الله ، وقرأ نافع [وابن عامر] الظنونا ، والرسولا ، والسبيلا ، بالألف في الوصل وفي الوقف ، وقرأ [ابن كثير والكسائي وحفص] بإسقاطها في الوصل دون الوقف ، وقرأ أبو عمرو وحمزة بإسقاطها في الوقف دون الوصل فأما إسقاطها فهو الأصل وأما إثباتها فلتعديل رؤوس الآي لأنها كالقوافي ، وتقتضي هذه العلة أن تثبت في الوقف خاصة ، وأما من أثبتها في الحالين ، فإنه أجرى الوصل مجرى الوقف.
(هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) أي اختبروا أو أصابهم بلاء ، والعامل في الظرف ابتلى وقيل : ما قبله (وَزُلْزِلُوا) أصل الزلزلة شدة التحريك وهو هنا عبارة عن اضطراب القلوب (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) روي أنه معتب بن قشير (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ) قال السهيلي : الطائفة تقع على الواحد فما فوقه ، والمراد هنا أوس بن قبطي (يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) يثرب اسم المدينة وقيل : اسم البقعة التي المدينة في طرف منها ، ومقام اسم موضع من القيام ، أي : لإقرار لكم هنا يعنون موضع القتال وقرئ (١) بالضم وهو اسم موضع من الإقامة ، وقولهم : فارجعوا أي إلى منازلكم بالمدينة ودعوا القتال (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَ) أي يستأذنه في الانصراف والمستأذن أوس بن قبطي وعشيرته وقيل : بنو حارثة (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) أي منكشفة للعدوّ وقيل : خالية للسراق فكذبهم الله في ذلك (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها) أي لو دخلت عليهم المدينة من جهاتها (ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ) يريد بالفتنة الكفر أو قتال المسلمين (لَآتَوْها) قرئ (٢) بالقصر بمعنى جاءوا إليها وبالمدّ بمعنى
__________________
(١). قرأ حفص : مقام بضم الميم وقرأ الباقون : مقام بفتحها.
(٢). قرأ نافع وابن كثير : لأتوها وقرأ الباقون بالمد : لآتوها.