أعطوها من أنفسهم (وَما تَلَبَّثُوا بِها) الضمير للمدينة (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ) دخلت قد على الفعل المضارع بمعنى التهديد ، وقيل : للتعليل على وجه التهكم (الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) أي الذين يعوّقون الناس عن الجهاد ، ويمنعونهم منه بأقوالهم وأفعالهم (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) هم المنافقون الذين قعدوا بالمدينة عن الجهاد ، وكانوا يقولون لقرابتهم أو للمنافقون مثلهم : هلم إلى الجلوس معنا بالمدينة وترك القتال ، وقد ذكر هلم في [الأنعام : ١٥٠].
(وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً) البأس القتال ، وقليلا صفة لمصدر محذوف تقديره : إلا إتيانا قليلا ، أو مستثنى من فاعل يأتون : أي إلا قليلا منهم (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) أشحة جمع شحيح بوزن فعيل ، معناه يشحون بأنفسهم فلا يقاتلون ، وقيل : يشحون بأموالهم ، وقيل : معناه أشحة عليكم وقت الحرب ، أي يشفقون أن يقتلوا. ونصب أشحة على الحال من القائلين ، أو على المعوقين ، أو من الضمير في يأتون ، أو نصب على الذم (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) أي إذا اشتدّ الخوف من الأعداء. نظر إليك هؤلاء في تلك الحالة ولاذوا بك من شدة خوفهم (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) عبارة عن شدة خوفهم (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) السلق بالألسنة عبارة عن الكلام بكلام مستكره ، ومعنى حداد : فصحاء قادرين على الكلام ، وإذا نصركم الله فزال الخوف رجع المنافقون إلى إذايتكم بالسب وتنقيص الشريعة ، وقيل : إذا غنمتم طلبوا من الغنائم (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) أي يشحون بفعل الخير وقيل : يشحون بالمغانم ، وانتصابه هنا على الحال من الفاعل في سلقوكم (لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) ليس المعنى أنها حبطت بعد ثبوتها ، وإنما المعنى أنها لم تقبل ، لأن الإيمان شرط في قبول الأعمال ، وقيل : إنهم نافقوا بعد أن آمنوا ، فالإحباط على هذا حقيقة.
(يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) الأحزاب هنا هم كفار قريش ، ومن معهم ، فالمعنى أن المنافقين من شدة جزعهم يظنون أن الأحزاب لم ينصرفوا عن المدينة ، وهم قد انصرفوا (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) معنى يودّوا يتمنوا ، وبادون : خارجون في البادية ، والأعراب : هم أهل البوادي من العرب ، فمعنى الآية : أنه إن أتى الأحزاب إلى المدينة مرة أخرى ؛ تمنى هؤلاء المنافقون من شدة جزعهم أن يكونوا في البادية