الثلاثة في أمة محمد صلىاللهعليهوسلم : فالظالم لنفسه العاصي والسابق التقي والمقتصد بينهما وقال الحسن : السابق من رجحت حسناته على سيئاته ، والظالم لنفسه من رجحت سيئاته والمقتصد من استوت حسناته وسيّئاته ، وجميعهم يدخلون الجنة وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : [سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له] (١) وقيل : الظالم الكافر والمقتصد المؤمن العاصي ، والسابق التقي فالضمير في منهم على هذا يعود على العباد ، وأما على القول الأول فيعود على الذين اصطفينا وهو أرجح وأصح لوروده في الحديث ، وجلالة القائلين به ، فإن قيل : لم قدّم الظالم ووسط المقتصد وأخر السابق؟ فالجواب : أنه قدّم الظالم لنفسه رفقا به لئلا ييئس وأخر السابق لئلا يعجب بنفسه ، وقال الزمخشري : قدّم الظالم لكثرة الظالمين وأخر السابق لقلة السابقين (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) إشارة إلى الاصطفاء (جَنَّاتُ عَدْنٍ) بدل من الفضل أو خبر مبتدأ تقديره : ثوابهم جنات عدن أو مبتدأ تقديره : لهم جنات عدن (يَدْخُلُونَها) ضمير الفاعل يعود على الظالم ، والمقتصد ، والسابق ، على القول بأن الآية في هذه الأمة : وأما على القول بأن الظالم هو الكافر فيعود على المقتصد والسابق خاصة ، وقال الزمخشري : إنه يعود على السابق خاصة وذلك على قول المعتزلة في الوعيد (أَساوِرَ) ذكر في [الحج : ٢٣] (أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) قيل هو عذاب النار ، وقيل : أهوال القيامة وقيل : هموم الدنيا والصواب العموم في ذلك كله (دارَ الْمُقامَةِ) هي الجنة والمقامة هي الإقامة ، والموضع وإنما سميت الجنة دار المقامة ، لأنهم يقومون فيها ولا يخرجون منها (نَصَبٌ) النصب تعب البدن ، واللغوب تعب النفس ، اللازم عن تعب البدن (يَصْطَرِخُونَ) يفتعلون من الصراخ أي يستغيثون فيقولون : ربنا أخرجنا وفي قولهم : غير الذي كنا نعمل اعتراف بسوء عملهم وتندم عليه.
__________________
(١). ذكره في التيسير ج ٢ ص ٤٩ وعزاه لابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن عمر ثم قال : وهذا منكر رواه بلفظ : السابق والمقتصد يدخلان الجنة بغير حساب والظالم لنفسه يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة وعزاه للحاكم عن أبي الدرداء بإسناد صحيح ص ٦٨ وأقول : إن الفرقاء الثلاثة ناجون ؛ لقوله سبحانه في أول الآية : اصطفينا من عبادنا ـ والاصطفاء لا يتفق مع الكفر ولا مع العذاب ، إذن فتسمية هؤلاء الفرقاء المصطفين بأنهم ظالم لنفسه ومقتصد وسابق ، لبيان اختلاف درجاتهم. كما يقول الصوفية : حسنات الأبرار سيئات المقربين. والله أعلم. مصححة.