(فَهُمْ مُقْمَحُونَ) يقال قمح البعير إذا رفع رأسه ، وأقمحه غيره إذا فعل به ذلك ، والمعنى أنهم لما اشتدت الأغلال حتى وصلت إلى أذقانهم اضطرت رؤوسهم إلى الارتفاع ، وقيل : معنى مقمحون ممنوعون من كل خير.
(وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) الآية : السد (١) الحائل بين الشيئين ، وذلك عبارة عن منعهم من الإيمان (فَأَغْشَيْناهُمْ) أي غطينا على أبصارهم وذلك أيضا مجاز يراد به إضلالهم (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ) الآية : ذكرنا معناها وإعرابها في [البقرة : ٦] (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) المعنى أن الإنذار لا ينفع إلا من اتبع الذكر وهو القرآن (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) معناه كقولك : إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وقد ذكرناه في [فاطر : ١٨] (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) أي نبعثهم يوم القيامة ، وقيل : إحياؤهم إخراجهم من الشرك إلى الإيمان ، والأوّل أظهر (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) أي ما قدموا من أعمالهم ، وما تركوه بعدهم ، كعلم علموه أو تحبيس [وقف] حبسوه ، وقيل : الأثر هنا : الخطا إلى المساجد ، وجاء ذلك في الحديث (إِمامٍ مُبِينٍ) أي في كتاب وهو اللوح المحفوظ أو صحائف الأعمال.
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً) الضمير لقريش ، ومثلا وأصحاب القرية مفعولان باضرب على القول بأنها تتعدى إلى مفعولين ، وهو الصحيح والقرية أنطاكية (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) هم من الحواريين الذين أرسلهم عيسى عليه الصلاة والسلام ، يدعون الناس إلى عبادة الله ، وقيل : بل هم رسل أرسلهم الله ، ويدل على هذا قول قومهم : ما أنتم إلا بشر مثلنا ، فإن هذا إنما يقال : لمن ادعى أن الله أرسله (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) أي قوينا الاثنين برسول ثالث ، قيل : اسمه شمعون (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) إنما أكدوا الخبر هنا باللام لأنه جواب المنكرين ، بخلاف الموضع الأول فإنه إخبار مجرد (قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) أي تشاءمنا بكم ، وأصل اللفظة من زجر الطير ليستدل على ما يكون من شر أو خير ، وإنما تشاءموا بهم لأنهم جاءوهم بدين غير دينهم ، وقيل : وقع فيهم الجذام لما كفروا ، وقيل : قحطوا (قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) أي قال الرسل لأهل القرية : شؤمكم معكم ؛ أي إنما الشؤم الذي أصابكم
__________________
(١). السد فيه لغتان قرأ نافع بالضم وقرأ الباقون بفتح السين.