بسبب كفركم لا بسببنا (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) دخلت همزة الاستفهام على حرف الشرط وفي الكلام حذف تقديره : أتطيرون أن ذكرتم (يَسْعى) أي يسرع بجده ونصيحته ، وقيل : اسمه حبيب النجار (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) أي هؤلاء المرسلون لا يسألونكم أجرة على الإيمان ، فلا تخسرون معهم شيئا من دنياكم ، وترجون معهم الاهتداء في دينكم (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) المعنى أي شيء يمنعني من عبادة ربي؟ وهذا توقيف سؤال وإخبار عن نفسه قصد به البيان لقومه ، ولذلك قال : وإليه ترجعون فخاطبهم (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ) هذا وصف للآلهة ، والمعنى : كيف أتخذ من دون الله آلهة لا يشفعون ولا ينقذونني من الضر (إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي : إن اتخذت آلهة غير الله فإني لفي ضلال مبين (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) خطاب لقومه أي : اسمعوا قولي واعملوا بنصيحتي ، وقيل : خطاب للرسل ليشهدوا له.
(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) قيل : هنا محذوف يدل عليه الكلام ، وروي في الأثر وهو أن الرجل لما نصح قومه قتلوه فلما مات قيل له : ادخل الجنة ، واختلف هل دخلها حين موته كالشهداء؟ أو هل ذلك بمعنى البشارة بالجنة ورؤيته لمقعده منها؟ (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) تمنّى أن يعلم قومه بغفران الله له على إيمانه فيؤمنون ، ولذلك ورد في الحديث أنه نصح لهم حيا وميتا ، وقيل : أراد أن يعلموا ذلك فيندموا على فعلهم معه وينفعهم ذلك (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) المعنى أن الله أهلكهم بصيحة صاحها جبريل ، ولم يحتج في تعذيبهم إلى إنزال جند من السماء ، لأنهم أهون من ذلك ، وقيل : المعنى ما أنزل الله على قومه ملائكة رسلا كما قالت قريش : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) [الفرقان : ٧] ولفظ الجند أليق بالمعنى الأول ، وكذلك ذكر الصيحة بعد ذلك (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) ما كنا لننزل جندا من السماء على أحد (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) أي ساكنون لا يتحركون ولا ينطقون.
(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) نداء للحسرة كأنه قال : يا حسرة احضري فهذا وقتك ، وهذا التفجع عليهم استعارة في معنى التهويل والتعظيم لما فعلوا من استهزائهم بالرسل ، ويحتمل أن يكون من كلام الملائكة ، أو المؤمنين من الناس ، وقيل : المعنى يا حسرة العباد على أنفسهم (أَلَمْ يَرَوْا) الضمير لقريش أو للعباد على الإطلاق ، والرؤية هنا بمعنى العلم (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا