آلهتنا ويسفه أحلامنا. فكلمه أبو طالب في ذلك ، فقال صلىاللهعليهوسلم : إنما أريد منهم كلمة واحدة يملكون بها العجم ، وتدين لهم بها العرب ، فقالوا : نعم وعشر كلمات معها. فقال : قولوا لا إله إلا الله (١) ، فقاموا وأنكروا ذلك وقالوا : أجعل الآلهة إلها واحدا (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا) انطلاق الملأ عبارة عن خروجهم عن أبي طالب وقيل : عبارة عن تفرّقهم في طرق مكة وإشاعتهم للكفر ، وأن امشوا : معناه يقول بعضهم لبعض : امشوا واصبروا على عبادة آلهتكم ، ولا تطيعوا محمدا فيما يدعو إليه من عبادة الله وحده (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) هذا أيضا مما حكى الله من كلام قريش ، وفي معناه وجهان : أحدهما إن الإشارة إلى الإسلام والتوحيد ، أي إن هذا التوحيد شيء يراد منا الانقياد إليه ، والآخر أن الإشارة إلى الشرك والصبر على آلهتهم ، أي إن هذا لشيء ينبغي أن يراد ويتمسك به ، أو أن هذا شيء يريده الله منا لما قضى علينا به والأول أرجح ، لأن الإشارة فيما بعد ذلك إليه فيكون الكلام على نسق واحد (ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) هذا أيضا مما حكى الله عنهم من كلامهم ، أي ما سمعنا بالتوحيد في الملة الآخرة ، والمراد بالملة الآخرة ملة النصارى ، لأنها بعد ملة موسى وغيره وهم يقولون بالتثليث لا بالتوحيد ، وقيل : المراد ملة قريش أي ما سمعنا بهذا في الملة التي أدركنا عليها آباءنا ، وقيل : المراد الملة المنتظرة إذ كانوا يسمعون من الأحبار والكهان أن رسولا يبعث يكون آخر الأنبياء (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) هذا أيضا مما حكى من كلامهم ، والإشارة إلى التوحيد والإسلام ، ومعنى الاختلاق الكذب (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) (٢) الهمزة للإنكار ، والمعنى أنهم أنكروا أن يخص الله محمدا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بإنزال القرآن عليه دونهم (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) هذا ردّ عليهم ، والمعنى أنهم ليست لهم حجة ولا برهان ، بل هم في شك من معرفة الله وتوحيده ، فلذلك كفروا ، ويحتمل أن يريد بالذكر القرآن (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) هذا وعيد لهم وتهديد ، والمعنى أنهم إنما حملهم على الكفر كونهم لم يذوقوا العذاب ، فإذا ذاقوه زال عنهم الشك وأذعنوا للحق.
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) هذا ردّ عليهم فيما أنكروا من اختصاص محمد صلىاللهعليهوسلم بالنبوة ، والمعنى أنهم ليس عندهم خزائن رحمة الله ؛ حتى يعطوا النبوة من شاءوا ، ويمنعوا من شاؤوا ، بل يعطيها الله لمن يشاء ، ثم وصف نفسه بالعزيز الوهاب ، لأن العزيز يفعل ما يشاء ، والوهاب ينعم على من يشاء ، فلا حجة لهم فيما أنكروا (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) هذا أيضا ردّ عليهم ، والمعنى : أم لهم الملك فيتصرفون
__________________
(١). روى الطبري القصة بسنده. إلى ابن عباس.
(٢). قرأ نافع وغيره بهمزة واحدة : أنزل وقرأ الباقون : أأنزل.