المبالغة في وصف الله تعالى بهما كأن ذاته رحمة وعلم واسعان كل شيء (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) يحتمل أن يكون المعنى قهم السيئات نفسها ، بحيث لا يفعلونها ، أو يكون المعنى : قهم جزاء السيئات ، فلا تؤاخذهم بها (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) المقت البغض الذي يوجبه ذنب أو عيب ، وهذه الحال تكون للكفار عند دخولهم النار ؛ فإنهم إذا دخلوها مقتوا أنفسهم ، أي مقت بعضهم بعضا ، ويحتمل أن يمقت كل واحد منهم نفسه فتناديهم الملائكة وتقول لهم : مقت الله لكم في الدنيا على كفركم أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم. فقوله : لمقت الله مصدر مضاف إلى الفاعل ، وحذف المفعول لدلالة مفعول مقتكم عليه وقوله : إذ تدعون ظرف العامل فيه مقت الله عاما من طريق المعنى ، ويمتنع أن يعمل فيه من طريق قوانين النحو ، لأن مقت الله مصدر فلا يجوز أن يفصل بينه وبين بعض صلته ، فيحتاج أن يقدر للظرف عامل ، وعلى هذا أجاز بعضهم الوقف على قوله أنفسكم ، والابتداء بالظرف وهذا ضعيف ، لأن المراعى المعنى. وقد جعل الزمخشري مقت الله عاما في الظرف ولم يعتبر الفصل (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) هذه الآية كقوله : وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم فالموتة الأولى عبارة عن كونهم عدما ، أو كونهم في الأصلاب ، أو في الأرحام ، والموتة الثانية الموت المعروف ، والحياة الأولى حياة الدنيا ، والحياة الثانية حياة البعث في القيامة. وقيل : الحياة الأولى حياة الدنيا ، والثانية : الحياة في القبر ، والموتة الأولى الموت المعروف ، والموتة الثانية بعد حياة القبر ، وهذا قول فاسد لأنه لا بدّ من الحياة للبعث فتجيء الحياة ثلاث مرات.
فإن قيل : كيف اتصال قولهم أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين بما قبله؟ فالجواب : أنهم كانوا في الدنيا يكفرون بالبعث ، فلما دخلوا النار مقتوا أنفسهم على ذلك ، فأقروا به حينئذ ليرضوا الله بإقرارهم ، حينئذ فقولهم : أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين إقرار بالبعث على أكمل الوجوه ، طمعا منه أن يخرجوا عن المقت الذي مقتهم الله ؛ إذ كانوا يدعون إلى الإسلام فيكفرون (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) الفاء هنا رابطة معناها التسبب ، فإن قيل : كيف يكون قولهم أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين سببا لاعترافهم بالذنوب؟ فالجواب أنهم كانوا كافرين بالبعث ، فلمّا رأوا الإماتة والإحياء قد تكرر عليهم ، علموا أن الله قادر على البعث فاعترفوا بذنوبهم ، وهي إنكار البعث ، وما أوجب لهم إنكاره من المعاصي ، فإن من لم يؤمن بالآخرة لا يبالي بالوقوع في المعاصي. (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ) الباء سببية للتعليل ، والإشارة بذلكم يحتمل أن تكون للعذاب الذي هم فيه ، أو إلى مقت الله لهم أو مقتهم لأنفسهم ،