والأحسن أن تكون إشارة إلى ما يقتضيه سياق الكلام وذلك أنهم لما قالوا : فهل إلى خروج من سبيل ، كأنهم قيل لهم : لا سبيل إلى الخروج ، فالإشارة بقوله ذلكم إلى عدم خروجهم من النار (يُرِيكُمْ آياتِهِ) يعني : العلامات الدالة عليه من مخلوقاته ومعجزات رسله (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) يعني المطر.
(رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) يحتمل أن يكون المعنى مرتفع الدرجات ، فيكون بمعنى العالي أو رافع درجات عباده في الجنة وفي الدنيا (يُلْقِي الرُّوحَ) يعني الوحي (مِنْ أَمْرِهِ) يحتمل أن يريد الأمر الذي هو واحد الأمور ، أو الأمر بالخبر ، فعلى الأول تكون من للتبعيض أو لابتداء الغاية ، وعلى الثاني تكون لابتداء الغاية أو بمعنى الباء (يَوْمَ التَّلاقِ) (١) يعني يوم القيامة ، وسمي بذلك لأن الخلائق يلتقون فيه ، وقيل : لأنه يلتقي فيه أهل السموات والأرض وقيل : لأنه يلتقي الخلق مع ربهم ، والفاعل في ينذر ضمير يعود على من يشاء أو على الروح أو على الله (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) هذا من كلام الله تعالى تقريرا للخلق يوم القيامة ؛ فيجيبونه ويقولون : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) وقيل : بل هو الذي يجيب نفسه ؛ لأن الخلق يسكتون هيبة له ، وقيل : إن القائل (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) ملك (يَوْمَ الْآزِفَةِ) يعني القيامة ومعناه القريبة (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) معناه أن القلوب قد صعدت من الصدور ، لشدّة الخوف حتى بلغت الحناجر ، فيحتمل أن يكون ذلك حقيقة أو مجاز عبّر به عن شدّة الخوف. والحناجر جمع حنجرة وهي الحلق (كاظِمِينَ) أي محزونين حزنا شديدا كقوله : (فَهُوَ كَظِيمٌ) [يوسف : ٨٤] وقيل : معناه يكظمون حزنهم أي يطمعون أن يخفوه ، والحال تغلبهم ، وانتصابه على الحال من أصحاب القلوب ، لأن معناه قلوب الناس ، أو من المفعول في أنذرهم أو من القلوب. وجمعها جمع المذكر لمّا وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) أي صديق مشفق (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) يحتمل أن يكون نفى الشفاعة وطاعة الشفيع أو نفى طاعة خاصة. كقولك : ما جاءني رجل صالح فنفيت الصلاح ، وإن كان قد جاءك رجل غير صالح ، والأول أحسن لأن الكفار ليس لهم من يشفع فيهم (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) أي استراق النظر ، والخائنة مصدر بمعنى الخيانة ، أو وصف للنظرة وهذا الكلام
__________________
(١). قرأ ابن كثير وورش : لينذر يوم التلاقي ويوم التنادي (٣٢) بإثبات الياء في الوصل وأثبتهما ابن كثير في الوقف أيضا. وحذفهما الباقون وصلا ووقفا.