أي أرزاق أهلها ومعاشهم وقيل : يعني أقوات الأرض من المعادن وغيرها من الأشياء التي بها قوام الأرض ، والأول أظهر (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) يريد أن الأربعة كملت باليومين الأولين ، فخلق الأرض في يومين وجعل فيها ما ذكر في يومين ، فتلك أربعة أيام وخلق السموات في يومين فتلك ستة أيام حسبما ذكر في مواضع كثيرة ، ولو كانت هذه الأربعة الأيام زيادة على اليومين المذكورين قبلها لكانت الجملة ثمانية أيام ، بخلاف ما ذكر في المواضع الكثيرة (سَواءً) بالنصب مصدر تقديره : استوت استواء قاله الزمخشري ، وقال ابن عطية انتصب على الحال للسائلين قيل : معناه لمن سأل عن أمرها ، وقيل : معناه للطالبين لها ، ويعني بالطلب على هذا حاجة الخلق إليها ، وحرف الجر يتعلق بمحذوف على القول الأول تقديره : يبين ذلك لمن سأل عنه ويتعلق بقدّر على القول الثاني.
(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أي قصد إليها ، ويقتضي هذا الترتيب : أن الأرض خلقت قبل السماء ، فإن قيل : كيف الجمع بين ذلك وبين قوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النازعات : ٣٠] فالجواب لأنها خلقت قبل السماء ، ثم دحيت بعد ذلك (وَهِيَ دُخانٌ) روي أنه كان العرش على الماء ، فأخرج إليه من الماء دخان فارتفع فوق الماء فأيبس الماء فصار أرضا ، ثم خلق السموات من الدخان المرتفع (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) هذه عبارة عن لزوم طاعتها ، كما يقول الملك لمن تحت يده : افعل كذا شئت أو أبيت ، أي : لا بد لك من فعله ، وقيل : تقديره ائتيا طوعا وإلا أتيتما كرها ، ومعنى هذا الإتيان تصويرهما على الكيفية التي أرادها الله ، وقوله لهما ائتيا مجاز ، وهو عبارة عن تكوينه لهما وكذلك قولهما : أتينا طائعين عبارة عن أنهما لم يمتنعا عليه حين أراد تكوينهما ، وقيل : بل ذلك حقيقة وأنطق الله الأرض والسماء بقولهما : أتينا طائعين وإنما جمع طائعين جمع العقلاء لوصفهما بأوصاف العقلاء (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) أي صنعهنّ والضمير للسموات السبع ، وانتصابها على التمييز تفسيرا للضمير ، وأعاد عليها ضمير الجماعة المؤنثة لأنها لا تعقل ، فهو كقولك : الجذوع انكسرت ، وجمعهما جمع المفكر العاقل في قوله طائعين ، لأنه وصفهما بالطوع ، وهو فعل العقلاء فعاملهما معاملتهم فهو كقوله في [سورة يوسف : ٤] : رأيتهم لي ساجدين وأعاد ضمير التثنية في قوله : قالتا أتينا لأنه جعل الأرض فرقة والسماء أخرى (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) أي أوحى إلى سكانها من الملائكة ، وإليها نفسها ما شاء من الأمور ، التي بها قوامها وصلاحها ، وأضاف الأمر إليها لأنه فيها (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) يعني الشمس والقمر والنجوم ، وهي زينة للسماء الدنيا سواء كانت فيها أو فيما فوقها من السموات (وَحِفْظاً) تقديره : وحفظناها حفظا ويجوز أن يكون مفعولا من أجله ، على المعنى كأنه قال : وخلقنا المصابيح زينة وحفظا.