حكمة (مِنَ الْقَرْيَةِ) هي سدوم من أرض الشام (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا) أي في الجنة أو في أهل رحمتنا (نادى مِنْ قَبْلُ) أي دعا قبل إبراهيم ولوط (مِنَ الْكَرْبِ) يعني من الغرق (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) تعدى نصرناه بمن لأنه مطاوع انتصر المتعدّى بمن ، أو تضمن معنى نجيناه أو أجرناه (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ) كان داود نبيا ملكا ، وكان ابنه سليمان ابن أحد عشر عاما (فِي الْحَرْثِ) قيل : زرع ، وقيل : كرم ، والحرث يقال فيهما (إِذْ نَفَشَتْ) رعت فيه بالليل (لِحُكْمِهِمْ) الضمير لداود وسليمان والمتخاصمين ، وقيل لداود وسليمان خاصة ، على أن يكون أقل الجمع اثنان (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) تخاصم إلى داود رجلان دخلت غنم أحدهما على زرع الآخر بالليل فأفسدته فقضى داود بأن يأخذ صاحب الزرع الغنم ، ووجه هذا الحكم أن قيمة الزرع كانت مثل قيمة الغنم ، فخرج الرجلان على سليمان وهو بالباب ، فأخبراه بما حكم به أبوه ، فدخل عليه فقال : يا نبيّ الله لو حكمت بغير هذا كان أرفق للجميع ، قال وما هو؟ قال يأخذ صاحب الغنم الأرض ليصلحها حتى يعود زرعها كما كان ، ويأخذ صاحب الزرع الغنم وينتفع بألبانها وصوفها ونسلها ، فإذا أكمل الزرع ردت الغنم إلى صاحبها ، والأرض بزرعها إلى ربها ، فقال له داود : وفقت يا بنيّ ، وقضى بينهما بذلك ، ووجه حكم سليمان أنه جعل الانتفاع بالغنم بإزاء ما فات من الزرع ، وواجب على صاحب الغنم أن يعمل في الحرث حتى يزول الضرر والنقصان ، ويحتمل أن يكون ذلك إصلاحا لا حكما.
واختلف الناس هل كان حكمهما بوحي أو اجتهاد؟ فمن قال كان باجتهاد أجاز الاجتهاد للأنبياء ، وروي أن داود رجع عن حكمه لما تبين له أن الصواب خلافه ، وقد اختلف في جواز الاجتهاد في حق الأنبياء ، وعلى القول بالجواز اختلف ، هل وقع أم لا؟ وظاهر قوله : ففهمناها سليمان : أنه كان باجتهاد فخص الله به سليمان ففهم القضية ، ومن قال : كان بوحي ، جعل حكم سليمان ناسخا لحكم داود.
وأما حكم إفساد المواشي الزرع في شرعنا ، فقال مالك والشافعي : يضمن أرباب المواشي ما أفسدت بالليل دون النهار للحديث الوارد في ذلك ، وعلى هذا يدل حكم داود وسليمان ، لأن النفش لا يكون إلا بالليل ، وقال أبو حنيفة : لا يضمن ما أفسدت بالليل ولا بالنهار ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : العجماء جرحها جبار (١) (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) قيل : يعني في
__________________
(١). الحديث ورد في مسند أحمد من حديث أبي هريرة ج ٢ ص ٢٣٩.