إلى مصر في ذلك الزمان (١) ، وقد قال الحسن إنهم رجعوا إليها ، ويدل على أن المراد بنو إسرائيل قوله في الشعراء : (وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) [الشعراء : ٥٩] (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) فيه ثلاثة أقوال : الأول أنه عبارة عن تحقيرهم ، وذلك أنه إذا مات رجل خطير قالت العرب في تعظيمه : بكت عليه السماء والأرض على وجه المجاز والمبالغة ، فالمعنى أن هؤلاء ليسوا كذلك لأنهم أحقر من أن يبالى بهم. الثاني قيل : إذا مات المؤمن بكى عليه من الأرض موضع عبادته ، ومن السماء موضع صعود عمله ، فالمعنى أن هؤلاء ليسوا كذلك لأنهم كفار ، أو ليس لهم عمل صالح : الثالث أن المعنى ما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض ، والأوّل أفصح وهو منزع معروف في كلام العرب (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) أي مؤخرين (مِنْ فِرْعَوْنَ) بدل من العذاب (عالِياً) أي متكبرا (اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ) أي كنا عالمين بأنهم مستحقون لذلك (عَلَى الْعالَمِينَ) أي على أهل زمانهم (بَلؤُا مُبِينٌ) أي اختبار.
(إِنَّ هؤُلاءِ) يعني كفار قريش (فَأْتُوا بِآبائِنا) خاطبت قريش بذلك النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه على وجه التعجيز ، روي أنهم طلبوا أن يحيي لهم قصي بن كلاب يسألوه عن أحوال الآخرة (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) كان تبع ملك من حمير وكان مؤمنا وقومه كفارا ، فذم قومه ولم يذمه ، وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : ما أدري أكان تبع نبيا أو غير نبيّ ، ومعنى الآية : أقريش أشدّ وأقوى أم قوم تبع والذين من قبلهم من الكفار ، وقد أهلكنا قوم تبع وغيرهم لما كفروا فكذلك نهلك هؤلاء ، فمقصود الكلام تهديد (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) عطف على قوم تبع : وقيل هو مبتدأ فيوقف على ما قبله والأول أصح (لاعِبِينَ) حال منفية ذكرت في الأنبياء (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى) المولى هنا يعم الولي والقريب وغير ذلك من الموالي (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) استثناء منقطع إن أراد بقوله ولا هم ينصرون الكفار ، ومتصل إن أراد بذلك جميع الناس (طَعامُ الْأَثِيمِ) أي الفاجر وهو من الإثم ، وقيل : يعني أبا جهل
__________________
(١). قلت : الثابت أن موسى ومن معه ظلوا في التيه ٤٠ سنة ثم من بقي منهم دخلوا الأرض المقدسة وأما قوم فرعون فقد قام في مصر سلالة أخرى. والله أعلم.