بالقدم لأنه قد قيل قديما ، فإن قيل : كيف تعمل فسيقولون في إذ وهي للماضي والعامل مستقبل؟ فالجواب : أن العامل في إذ محذوف تقديره إذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم فسيقولون ، قال ذلك الزمخشري ، ويظهر لي أن إذ هنا بمعنى التعليل لا ظرفية بمعنى الماضي فلا يلزم السؤال ، والمعنى أنهم قالوا : هذا إفك بسبب أنهم لم يهتدوا به ، وقد جاءت إذ بمعنى التعليل في القرآن وفي كلام العرب ، ومنه (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ) [الزخرف : ٣٩] أي بسبب ظلمكم (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) الضمير في قبله للقرآن وكتاب موسى هو التوراة ، وإماما حال ، ومعناه : يقتدى به (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا) (١) الإشارة بهذا إلى القرآن ، ومعنى مصدق مصدق بما قبله من الكتب ، وقد ذكرنا ذلك في البقرة [٨٩] ولسان حال من الضمير في مصدق ، وقيل : مفعول بمصدق أي صدق ذا لسان عربي وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ، واختار هذا ابن عطية (اسْتَقامُوا) ذكر في حم [السجدة :
٣٠] (إِحْساناً) (٢) ذكر في العنكبوت [٨].
(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) أي حملته بمشقة ووضعته بمشقة ، ويقال كره بفتح الكاف وضمها بمعنى واحد (٣) (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) أي مدة حمله ورضاعه ثلاثون شهرا ، وهذا لا يكون إلا بأن ينقص من أحد الطرفين ، وذلك إما أن يكون مدة الحمل ستة أشهر ومدة الرضاع حولين كاملين ، أو تكون مدة الحمل تسعة أشهر ومدة الرضاع حولين غير ثلاثة أشهر ، ومن هذا أخذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه والعلماء أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، وإنما عبّر عن مدة الرضاع بالفصال وهو الفطام لأنه منتهى الرضاع (بَلَغَ أَشُدَّهُ) ذكر في يوسف [٢٢] (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) هذا حدّ كمال العقل والقوة ، ويقال : إن الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وقيل : إنها عامة (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) (٤) أي في جملة
__________________
(١). بقية الآية : لتنذر الذي ظلموا هكذا قرأها نافع وابن عامر بالتاء ، والباقون : لينذر بالياء.
(٢). قرأ عاصم وحمزة والكسائي : إحسانا وقرأ الباقون : حسنا.
(٣). قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو : كرها بفتح الكاف وقرأ الباقون : كرها بضمها.
(٤). الآية [١٦] قوله سبحانه : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ)... (وَنَتَجاوَزُ عَنْ). هكذا قرأها حمزة والكسائي وحفص وقرأها الباقون أولئك الذين يتقبل... ويتجاوز عن بالياء.