عمومه ، ومعنى (امْتَحَنَ) : اختبر فوجدها كما يجب ، مثل ما يختبر الذهب بالنار ، فيوجد طيبا ، وقيل معناها : درّبها للتقوى حتى صارت قوية على احتماله بغير تكلف. وقيل : معناه أخلصها الله للتقوى (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) الحجرات : جمع حجرة وهي قطعة من الأرض يحجر عليها بحائط ، وكان لكل واحدة من أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم حجرة. ونزلت الآية في وفد بني تميم ، قدموا على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فدخلوا المسجد ودنوا من حجرات أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم ووقفوا خارجها ونادوا : يا محمد أخرج إلينا فكان في فعلهم ذلك جفاء وبداوة وقلة توقير ، فتربص رسول الله صلىاللهعليهوسلم مدة ثم خرج إليهم ، فقال له واحد منهم وهو الأقرع بن حابس : يا محمد إنّ مدحي زين وذمّي شين. فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ويحك ذلك الله تعالى (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون فيهم قليل ممن يعقل ونفي العقل عن أكثرهم لا عن جميعهم ، والآخر أن يكون جميعهم ممن لا يعقل ، وأوقع القلة موضع النفي والأول أظهر في مقتضى اللفظ. والثاني أبلغ في الذم (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) يعني خيرا في الثواب ، وفي انبساط نفس النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقضائه حوائجهم ، وإنكار فعلهم فيه تأديب لهم ، وتعليم لغيرهم.
(إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) سببها أن النبي صلىاللهعليهوسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ، ليأخذ زكاتهم ، فروي أنه كان معاديا لهم ، فأراد إذايتهم فرجع من بعض طريقه فكذب عليهم ، وقال للنبي صلىاللهعليهوسلم : إنهم قد منعوني الصدقة وطردوني وارتدوا ، فغضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهمّ بغزوهم ، ونظر في ذلك فورد وفدهم منكرين لذلك ، وروي أن الوليد بن عقبة لما قرب منهم خرجوا إليه متلقين له [بالسلاح] ، فرآهم على بعد ففزع منهم وظنّ بهم الشر ، فانصرف فقال ما قال. وروي أنه بلغه أنهم قالوا : لا نعطيه صدقة ولا نطيعه فانصرف ، وقال ما قال. فالفاسق المشار إليه في الآية هو الوليد بن عقبة ، ولم يزل بعد ذلك يفعل أفعال الفساق ، حتى صلى بالناس صلاة الصبح أربع ركعات وهو سكران ، ثم قال لهم : أزيدكم إن شئتم ، ثم هي باقية في كل من اتصف بهذه الصفة إلى آخر الدهر ، وقرئ فتبينوا من التبين ، وتثبتوا بالثاء من التثبت ، ويقوي هذه القراءة أنها لما نزلت روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : التثبت من الله والعجلة من الشيطان ، واستدل بهذه الآية القائلون بقبول خبر الواحد ، لأن دليل الخطاب يقتضي أن خبر غير الفاسق مقبول ، قال المنذر بن سعيد البلوطي : وهذه الآية تردّ على من قال : إن المسلمين كلهم عدول ، لأن الله أمر بالتبين قبل القبول ، فالمجهول الحال يخشى أن يكون فاسقا (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) في موضع المفعول من أجله تقديره : مخافة أن تصيبوا قوما بجهالة ، والإشارة إلى قتال بني