أخاك المؤمن بما يكره ، قيل يا رسول الله وإن كان حقا ، قال إذا قلت باطلا فذلك بهتان (١) وقد رخّص في الغيبة في مواضع منها : في التجريح في الشهادة ، والرواية ، والنكاح ، وشبهه وفي التحذير من أهل الضلال ، (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) وقرأ نافع : ميّتا شبه الله الغيبة بأكل لحم ابن آدم ميتا ، والعرب تشبه الغيبة بأكل اللحم ، ثم زاد في تقبيحه أن جعله ميتا لأن الجيفة مستقذرة ، ويجوز أن يكون ميتا حال من الأخ أو من لحمه ، وقيل : فكرهتموه إخبار عن حالهم بعد التقرير. كأنه لما قررهم قال : هل يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا أجابوا فقالوا : لا نحب ذلك فقال لهم. فكرهتموه وبعد هذا محذوف تقديره : فكذلك فاكرهوا الغيبة التي هي تشبهه ، وحذف هذا لدلالة الكلام عليه ، وعلى هذا المحذوف يعطف قوله : واتقوا الله ، قاله أبو علي الفارسي ، وقال الرماني : كراهة هذا اللحم يدعو إليها الطبع ، وكراهة الغيبة يدعو إليها العقل ، وهو أحق أن يجاب لأنه بصير عالم ، والطبع أعمى جاهل ، وقال الزمخشري : في هذه الآية مبالغات كثيرة منها الاستفهام الذي معناه التقرير ، ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة ، ومنها إسناد الفعل إلى أحدكم ، والإشعار بأن أحد من الأحدين لا يحب ذلك ، ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الغيبة بأكل لحم الإنسان حتى جعله ميتا ، ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الغيبة بأكل لحم الإنسان حتى جعله أخا له. (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) الذكر والأنثى هنا آدم وزوجه قال ابن عطية : ويحتمل أن يريد الجنس كأنه قال : إنا خلقنا كل واحد منكم من ذكر وأنثى ، والأول أظهر وأصح لقوله صلىاللهعليهوسلم : أنتم من آدم وآدم من التراب (٢) ومقصود الآية : التسوية بين الناس ، والمنع مما كانت العرب تفعله من التفاخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، فبين الله أن الكرم والشرف عند الله ليس بالحسب والنسب ؛ إنما هو بالتقوى قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله (٣) ، وروي أن سبب الآية أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم فقالوا كيف نزوج بناتنا لموالينا (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا) الشعوب : جمع شعب بفتح الشين ، وهو أعظم من القبيلة ، وتحته القبيلة ثم البطن ثم الفخذ ثم الفصيلة ، وهم القرابة
__________________
(١). الحديث ذكره المناوي في التيسير وعزاه لأبي داود عن أبي هريرة وأخرجه مسلم عنه بلفظ : أتدرون ما الغيبة؟ إلخ.
(٢). أورد المناوي هذا الحديث بلفظ : كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب وعزاه للبزار عن حذيفة وتوجد رواية للترمذي وأبي داود وأحمد انظر كشف الخفاء ص ٣٢٦ ج ٢.
(٣). لم أعثر عليه بهذا اللفظ ولكن يوجد حديث بمعناه وجوابا على سؤال : من أكرم الناس؟ قال : اتقاهم رواه أحمد ج ٢ ص ٤٣١.