الحق (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) إنما ذكره بلفظ التثنية لأن أقل من يقع بينهم البغي اثنان ، وقيل أراد بالأخوين الأوس والخزرج ، وقرأ ابن عامر بين إخوتكم بالتاء على الجمع ، وقرئ بين إخوانكم بالنون على الجمع أيضا (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) نهى عن السخرية وهي الاستهزاء بالناس (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) أي لعل المسخور منه خير من الساخر عند الله ، وهذا تعليل للنهي (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) لما كان القوم لا يقع إلا على الذكور عطف النساء عليهم (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا يطعن بعضكم على بعض واللمز : العيب ، سواء كان بقول أو إشارة أو غير ذلك ، وسنذكر الفرق بينه وبين الهمز في سورة الهمزة وأنفسكم هنا بمنزلة قوله : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النور : ٢٧] (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) أي لا يدع أحد أحدا بلقب ، والتنابز بالألقاب التداعي بها ، وقد أجاز المحدثون أن يقال الأعمش والأعرج ونحوه إذا دعت إليه الضرورة ولم يقصد النقص والاستخفاف.
(بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) يريد بالاسم أن يسمى الإنسان فاسقا بعد أن سمي مؤمنا ، وفي ذلك ثلاثة أوجه : أحدها استقباح الجمع بين الفسق وبين الإيمان ، فمعنى ذلك أن من فعل شيئا من هذه الأشياء التي نهي عنها فهو فاسق وإن كان مؤمنا ، والآخر بئس ما يقوله الرجل للآخر يا فاسق بعد إيمانه ، كقولهم لمن أسلم من اليهود : يا يهودي ، الثالث أن يجعل من فسق غير مؤمن وهذا على مذهب المعتزلة (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) يعني ظن السوء بالمسلمين ، وأما ظن الخير فهو حسن (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) قيل : في معنى الإثم هنا الكذب لقوله صلىاللهعليهوسلم : الظن أكذب الحديث (١) لأنه قد لا يكون مطابقا للأمر ، وقيل : إنما يكون إثما إذا تكلم به وأما إذا لم يتكلم به فهو في فسحة لأنه لا يقدر على دفع الخواطر ، واستدل بعضهم بهذه الآية على صحة سد الذرائع في الشرع ، لأنه أمر باجتناب كثير من الظن ، وأخبر أن بعضه إثم باجتناب الأكثر من الإثم احترازا من الوقوع في البعض الذي هو إثم (وَلا تَجَسَّسُوا) أي لا تبحثوا عن مخبآت الناس وقرأ الحسن : تحسسوا بالحاء والتجسس بالجيم في الشر وبالحاء في الخير ، وقيل : التجسس ما كان من وراء والتحسس بالحاء الدخول والاستعلام (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) المعنى : لا يذكر أحدكم من أخيه المسلم ما يكره لو سمعه ، والغيبة هي ما يكره الإنسان ذكره من خلقه أو خلقه أو دينه أو أفعاله أو غير ذلك ، وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال : الغيبة أن تذكر
__________________
(١). الحديث رواه أبو هريرة وأخرجه أحمد وأوله : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. ج ٢ ص ٢٤٥.