للأبصار ، وشاخصة من الشخوص وهو : إحداد النظر من الخوف (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) هذا خطاب للمشركين ، والحصب : ما توقد به النار : كالحطب. وقرأ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه «حطب جهنم» والمراد بما تعبدون الأصنام وغيرها تحرق في النار توبيخا لمن عبدها (وارِدُونَ) الورود هنا الدخول (زَفِيرٌ) ذكر في هود (لا يَسْمَعُونَ).
قيل يجعلون في توابيت من نار فلا يسمعون شيئا ، وقيل : يصمهم الله كما يعميهم (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) سبقت أي : قضيت في الأزل ، والحسنى السعادة ، ونزلت الآية لما اعترض ابن الزبعرى على قوله : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ، فقال : إن عيسى وعزير والملائكة قد عبدوا ؛ فالمعنى إخراج هؤلاء من ذلك الوعيد ، واللفظ مع ذلك على عمومه في كل من سبقت له السعادة (حَسِيسَها) أي صوتها (الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) أهوال القيامة على الجملة ، وقيل ذبح الموت وقيل : النفخة الأولى في الصور لقوله : ففزع من السموات ومن في الأرض (كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) السجل الصحيفة والكتاب (١) مصدر : أي كما يطوي السجل ليكتب فيه ، أو ليصان الكتاب الذي فيه ، وقيل : السجل رجل كاتب وهذا ضعيف ، وقيل : هو ملك في السماء الثانية : ترفع إليه الأعمال ، وهذا أيضا ضعيف (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) أي كما قدرنا على البداءة نقدر على الإعادة ، فهو كقوله : قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ، وقيل : المعنى نعيدهم على الصورة التي بدأناهم كما جاء في الحديث : يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا (٢) ، ثم قرأ : كما بدأنا أول خلق نعيده ، والكاف متعلقة بقوله نعيده (فاعِلِينَ) تأكيدا لوقوع البعث.
(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) في الزبور هنا قولان : أحدهما أنه كتاب داود ، والذكر هنا على هذا التوراة التي أنزل الله على موسى ، وما في الزبور من ذكر الله تعالى ، والقول الثاني أن الزبور جنس الكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء ، والذكر على هذا هو اللوح المحفوظ : أي كتب الله هذا في الكتاب الذي أفرد له ، بعد ما كتبه في اللوح المحفوظ حتي قضى الأمور كلها ، والأول أرجح ، لأن إطلاق الزبور على كتاب داود أظهر
__________________
(١). قرأ حمزة والكسائي وحفص : للكتب. وقرأ الباقون : للكتاب.
(٢). رواه أحمد عن ابن عباس ج ١ ص ٢٢٣.