وأكثر استعمالا ، ولأن الزبور مفرد فدلالته على الواحد أرجح من دلالته على الجمع ، ولأن النص قد ورد في زبور داود بأن الأرض يرثها الصالحون (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) الأرض هنا على الإطلاق في مشارق الأرض ومغاربها ، وقيل : الأرض المقدسة ، وقيل : أرض الجنة ، والأول أظهر ، والعباد الصالحون : أمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ففي الآية ثناء عليهم ، وإخبار بظهور غيب مصداقه في الوجود إذ فتح الله لهذه الأمة مشارق الأرض ومغاربها (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) هذا خطاب لسيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وفيه تشريف عظيم ، وانتصب رحمة على أنه حال من ضمير المخاطب المفعول ، والمعنى على هذا أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هو الرحمة ، ويحتمل أن يكون مصدرا في موضع الحال من ضمير الفاعل تقديره : أرسلناك راحمين للعالمين ، أو يكون مفعولا من أجله ، والمعنى على كل وجه : أن الله رحم العالمين بإرسال سيدنا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنه جاءهم بالسعادة الكبرى ، والنجاة من الشقاوة العظمى ، ونالوا على يديه الخيرات الكثيرة في الآخرة والأولى ، وعلمهم بعد الجهالة وهداهم بعد الضلالة ، فإن قيل : رحمة للعالمين عموم ، والكفار لم يرحموا به؟ فالجواب من وجهين : أحدهما أنهم كانوا معرضين للرحمة به لو آمنوا فهم الذين تركوا الرحمة بعد تعريضها لهم ، والآخر أنهم رحموا به لكونهم لم يعاقبوا بمثل ما عوقب به الكفار المتقدّمون من الطوفان والصيحة وشبه ذلك (آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) أي أعلمتكم بالحق على استواء في الإعلام وتبليغ إلى جميعكم لم يختص به واحد دون آخر.
(وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) إن هنا وفي الموضع الآخر نافية ، وأدري فعل علق عن معموله لأنه من أفعال القلوب وما بعده في موضع المعمول من طريق المعنى فيجب وصله معه ، والهمزة في قوله : أقريب للتسوية لا لمجرد الاستفهام ، وقيل : يوقف على إن أدرى في الموضعين ، ويبتدأ بما بعده ، وهذا خطأ لأنه يطلب ما بعده (لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ) الضمير لإمهالهم وتأخير عقوبتهم (وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) أي الموت أو القيامة (الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) أي أستعين به على الصبر على ما تصفون من الكفر والتكذيب.