حجتهم أيضا كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى عمرو بن حزم «أن لا يمس القرآن إلا طاهر» (١) ، الثاني أنه يجوز مسه للجنب والحائض والمحدث حدثا أصغر وهو مذهب أحمد بن حنبل والظاهرية وحملوا المطهرون على أنهم المسلمون والملائكة أو جعلوا لا يمسه لمجرد الإخبار ، والقول الثالث أنه يجوز مسه بالحدث الأصغر دون الأكبر ، ورخص مالك في مسه على غير وضوء للمعلم والصبيان ، لأجل المشقة. واختلفوا في قراءة الجنب للقرآن فمنعه الشافعي وأبو حنيفة مطلقا ، وأجازه الظاهرية مطلقا ، وأجاز مالك قراءة الآية اليسيرة. واختلف في قراءة الحائض والنفساء للقرآن عن ظهر قلب فعن مالك في ذلك روايتان ، وفرق بعضهم بين اليسير والكثير.
(أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) هذا خطاب للكفار ، والحديث المشار إليه هو القرآن ، ومدهنون معناه متهاونون ، وأصله من المداهنة وهي لين الجانب والموافقة بالظاهر لا بالباطن قال ابن عباس معناه مكذبون (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) قال ابن عطية :
أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر إنه نزل بنوء كذا وكذا ، والمعنى تجعلون شكر رزقكم التكذيب ، فحذف شكر أنكم تكذبون وكذلك قرأ ابن عباس إلا أنه قرأ تكذّبون بضم التاء والتشديد كقراءة الجماعة وقراءة علي بفتح التاء وإسكان الكاف من الكذب أي يكذبون في قولهم : نزل المطر بنوء كذا ومن هذا المعنى قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله تعالى يقول أصبح من عبادي مؤمن بي كافر بالكوكب وكافر بي مؤمن بالكوكب فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكوكب كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» (٢). والمنهي عنه في هذا الباب أن يعتقد أن للكوكب تأثيرا في المطر ، وأما مراعاة العوائد التي أجراها الله تعالى فلا بأس به لقوله صلىاللهعليهوسلم : إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة (٣) ، وقد قال عمر للعباس وهما في الاستسقاء : كم بقي من نوء الثريا فقال العباس : العلماء يقولون إنها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعا ، قال ابن الطيب : فما مضت سبع حتى مطروا ، وقيل : إن معنى الآية تجعلون سبب رزقكم تكذيبكم للنبي صلىاللهعليهوسلم فإنهم كانوا يقولون : إن آمنا به حرمنا الله الرزق ، كقولهم : (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) [القصص : ٥٧] فأنكر الله عليهم ذلك. وإعراب أنكم على هذا القول مفعول بتجعلون على حذف مضاف تقديره : تجعلون
__________________
(١). ذكره المناوي في التيسير وعزاه للطبراني عن ابن عمر وإسناده صحيح.
(٢). رواه البخاري في كتاب الأذان باب ١٥٦ ص ٢٠٥ عن زيد بن خالد الجهني.
(٣). رواه مالك في الموطأ كتاب الاستسقاء حديث ٥ ص ١٩٢ وهو الحديث الرابع الموقوف إسناده على مالك.