وبالتشديد والتخفيف والمعنى واحد وهو إيقاع الظهار ، والظهار المجمع عليه هو أن يقول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي ، ويجري مجرى ذلك عند مالك تشبيه الزوجة بكل امرأة محرّمة على التأبيد ، كالبنت والأخت وسائر المحرمات بالنسب ، والمحرمات بالرضاع والمصاهرة ، سواء ذكر لفظ الظهر أو لم يذكره كقوله : أنت علي كأمي أو كبطن أمي أو يدها أو رجلها خلافا للشافعي فإن ذلك كله عنده ليس بظهار. لأنه وقف عند لفظ الآية وقاس مالك عليها لأنه رأى أن المقصد تشبيه حلال بحرام (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) ردّ الله بهذا على من كان يوقع الظهار ويعتقده حقيقة ، وأخبر تعالى : أن تصير الزوجة أمّا باطل ، فإن الأم في الحقيقة إنما هي الوالدة (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) أخبر تعالى أن الظهار منكر وزور ، فالمنكر هو الذي لا تعرف له حقيقة ، والزور هو الكذب. وإنما جعله كذبا لأن المظاهر يصيّر امرأته كأمه. وهي لا تصير كذلك أبدا. والظهار محرم ويدل على تحريمه أربعة أشياء أحدها قوله تعالى : ما هن أمهاتهم فإن ذلك تكذيب للمظاهر والثاني أنه سماه منكرا والثالث أنه سماه زورا والرابع قوله : (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) فإن العفو والمغفرة لا تقع إلا عن ذنب وهو مع ذلك لازم للمظاهر حتى يرفعه بالكفارة (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) جعل الله الكفارة في الظهار (١) على ثلاثة أنواع مرتبة لا ينتقل إلى الثاني حتى يعجز عن الأول ولا ينتقل إلى الثالث حتى يعجز عن الثاني فالأول تحرير رقبة والثاني صيام شهرين متتابعين والثالث إطعام ستين مسكينا والطعام يكون من غالب قوت البلد (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) مذهب مالك والجمهور أن المسيس هنا يراد به الوطء وما دونه من اللمس والتقبيل فلا يجوز للمظاهر أن يفعل شيئا من ذلك حتى يكفر ، (ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا) قال ابن عطية : الإشارة إلى الرخصة في النقل من التحرير إلى الصوم وقال الزمخشري : المعنى : ذلك البيان والتعليم لتؤمنوا ، وهذا أظهر لأنه أعم.
(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ) أي يخالفون ويعادون (كُبِتُوا) أي هلكوا وقيل : لعنوا وقيل : كبت الرجل إذا بقي خزيان ونزلت الآية في المنافقين واليهود (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ) يحتمل أن يكون النجوى هنا بمعنى الكلام الخفي ، فيكون ثلاثة مضاف إليه بمعنى
__________________
(١). الظهار من الأمور التي أصبحت من الماضي ولا حاجة إلى كل ما ذكره المصنف ولذلك رأيت الاختصار أولى.