تطهر ، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك ، حسبما ورد في حديث ابن عمر ، حين طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلىاللهعليهوسلم فقال له : مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ؛ ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك. واشترط مالك أن يطلقها في طهر لم يمسها فيه ، ليعتد بذلك الطهر ، فإنه إن طلقها في طهر بعد أن جامعها فيه ، فلا تدري هل تعتد بالوضع [وضع الحمل] أو بالأقراء فليس طلاقا لعدتها كما أمر الله (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) أمر بذلك لما ينبني عليها من الأحكام ، في الرجعة والسكنى والميراث وغير ذلك. (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ) نهى الله سبحانه وتعالى أن يخرج الرجل المرأة المطلقة من المسكن الذي طلقها فيه ، ونهاها هي أن تخرج باختيارها ، فلا يجوز لها المبيت خارجا عن بيتها ولا أن تغيب عنه نهارا إلا لضرورة التصرف ، وذلك لحفظ النسب وصيانة المرأة ، فإن كان المسكن ملكا للزوج ، أو مكترى عنده ، لزمه إسكانها فيه ، وإن كان المسكن لها فعليه كراؤه مدة العدة ، وإن كانت قد أمتعته فيه مدة الزوجية ؛ ففي لزوم خروج العدة له قولان في المذهب [المالكي] والصحيح لزومه ؛ لأن الامتناع قد انقطع بالطلاق (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) (١) اختلف في هذه الفاحشة التي أباحت خروج المعتدة ما هي؟ على خمسة أقوال : الأول أنها الزنا فتخرج لإقامة الحدّ ، قاله الليث بن سعد والشعبي. الثاني أنه سوء الكلام مع الأصهار فتخرج ويسقط حقها من السكنى ، ويلزمها الإقامة في مسكن تتخذه حفظا للنسب ، قاله ابن عباس ويؤيده قراءة أبي بن كعب ، إلا أن يفحشن عليكم. الثالث أنه جميع المعاصي من القذف والزنا والسرقة وغير ذلك ، فمتى فعلت شيئا من ذلك سقط حقها في السكنى ، قاله ابن عباس أيضا وإليه مال الطبري الرابع أنه الخروج عن بيتها خروج انتقال فمتى فعلت ذلك سقط حقها في السكنى قاله ابن الفرس : وإلى هذا ذهب مالك في المرأة إذا نشزت في العدة ، الخامس أنه النشوز قبل الطلاق ، فإذا طلقها بسبب نشوزها فلا يكون عليه سكنى قاله قتادة.
(لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) المراد به الرجعة عند الجمهور ، أي أحصوا العدة وامتثلوا ما أمرتم به ، لعل الله يحدث الرجعة لنسائكم ، وقيل : إن سبب الرجعة المذكورة في الآية تطليق النبي صلىاللهعليهوسلم لحفصة بنت عمر فأمره الله بمراجعتها (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) يريد آخر العدة والإمساك بمعروف هو : تحسين العشرة وتوفية النفقة ، والفراق بالمعروف هو : أداء الصداق والإمتاع حين الطلاق والوفاء بالشروط ونحو ذلك (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) هذا خطاب للأزواج ، والمأمور به هو الإشهاد على الرجعة عند الجمهور ، وقد اختلف فيه هل هو واجب أو مستحب على
__________________
(١). مبينة : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء : مبينة وقرأ الباقون بكسر الياء.