(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ) هم الكفار بدليل قوله : إنه كان لا يؤمن بالله العظيم فجعل علة إعطائهم كتبهم بشمالهم عدم إيمانهم ، وأما المؤمنون فيعطون كتبهم بأيمانهم ، لكن اختلف فيمن يدخل النار منهم ، هل يعطى كتابه قبل دخول النار أو بعد خروجه منها؟ وهذا أرجح لقوله : هاؤم اقرءوا كتابيه ، لأن هذا كلام سرور فيبعد أن يقوله من يحمل إلى النار (فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) أي يتمنى أنه لم يعط كتابه وقال ابن عطية : يتمنى أن يكون معدوما لا يجري عليه شيء والأول أظهر (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) أي ليت الموتة الأولى كانت القاضية بحيث لا يكون بعدها بعث ولا إحياء (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) (١) يحتمل أن يكون نفيا ، أو استفهاما يراد به النفي (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) أي زال عني ملكي وقدرتي وقيل : ذهبت عني حجتي.
(خُذُوهُ) خطاب للزبانية يقوله لهم الله تعالى أو الملائكة بأمر الله (فَغُلُّوهُ) أي اجعلوا غلا في عنقه ؛ وروي أنها نزلت في أبي جهل (ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً) معنى ذرعها أي طولها ، واختلف في هذا الذراع فقيل : إنه الذراع المعروف ، وقيل : بذراع الملك وقيل : في الذراع سبعون باعا ، كل باع ما بين مكة والكوفة ، ولله در الحسن البصري في قوله : الله أعلم بأي ذراع هي ، وجعلها سبعين ذراعا لإرادة وصفها بالطول ، فإن السبعين من الأعداد التي تقصد بها العرب التكثير ، ويحتمل أن تكون هذه السلسلة لكل واحد من أهل النار ، أو تكون بين جميعهم وقد حكى الثعلبي ذلك (فَاسْلُكُوهُ) أي أدخلوه روي أنها تلتوي عليه حتى تعمه وتضغطه ، فالكلام على هذا على وجهه وهو المسلوك فيها ، وإنما قدم قوله : في سلسلة على اسلكوه لإرادة الحصر ، أي لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة وكذلك قدّم الحميم على صلّوه لإرادة الحصر أيضا (طَعامِ الْمِسْكِينِ) يحتمل أنه أراد إطعام مسكين ، فوضع الاسم موضع المضمر أو يقدر : لا يحض على بذل طعام المسكين ، وأضاف الطعام إلى المسكين ؛ لأن له إليه نسبة ، ووصفه بأنه لا يحض على طعام المسكين يدل على أنه لا يطعمه من باب أولى ، وهذه الآية تدل على عظم الصدقة وفضلها ، لأنه قرن منع طعام المسكين بالكفر بالله (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) فيه قولان : أحدهما ليس له صديق والآخر : ليس له شراب (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) فإن الحميم الماء
__________________
(١). قوله : ماليه ، سلطانيه : قرأ حمزة بحذف الهاء فيهما وصلا. وقرأ الباقون بإثبات الهاء. وأجمع الجميع على إثبات الهاء في الوقف.