في معنى هذا الكلام أربعة أقوال : الأول وهو الأشهر والأظهر أن الاستثناء من الليل ، وقوله نصفه بدل من الليل أو من قليلا ، وجعل النصف قليلا بالنسبة إلى الجميع والضميران في قوله : أو انقص منه ، أو زد عليه : عائدان على النصف. والمعنى أن الله خيّره بين ثلاثة أحوال : وهو أن يقوم نصف الليل ، أو ينقص من النصف قليلا أو يزد عليه. الثاني : قال الزمخشري : إلا قليلا استثناء من النصف كأنه قال : نصف الليل إلا قليلا. فخيّره على هذا بين حالتين وهما أن يقوم أقل من النصف أو أكثر منه وهذا ضعيف ، لأن قوله أو انقص منه قليلا تضمن معنى النقص من النصف فلا فائدة زائدة في استثناء القليل من النصف ، القول الثالث قاله الزمخشري أيضا : يجوز أن يريد بقوله أو انقص منه قليلا نصف النصف وهو الربع ويكون الضمير في قوله أو زد عليه يعود على ذلك ، أي زد على الربع فيكون ثلثا فيكون التخيير على هذا بين قيام النصف أو الثلث أو الربع ، وهذا أيضا بعيد ، القول الرابع قاله ابن عطية : يحتمل أن يكون معنى إلا قليلا الليالي التي يمنعه العذر من القيام فيها ، والمراد بالليل على هذا : الليالي ، فهو جنس. وهذا بعيد ، لأنه قد فسر هذا القليل المستثنى بما بعد ذلك من نصف الليل أو النقص منه أو الزيادة عليه ، فدل ذلك على أن المراد بالليل المستثنى بعض أجزاء الليل ، لا بعض الليالي ، إن قيل : لم قيد النقص من النصف بالقلة. فقال : أو انقص منه قليلا وأطلق في الزيادة فقال : أو زد عليه ولم يقل قليلا؟ فالجواب : أن الزيادة تحسن فيها الكثرة فلذلك لم يقيدها بالقلة بخلاف النقص ، فإنه لو أطلقه لاحتمل أن ينقص من النصف كثيرا.
(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) الترتيل هو التمهل والمد وإشباع الحركات وبيان الحروف ، وذلك معين على التفكر في معاني القرآن ، بخلاف الهذر الذي لا يفقه صاحبه ما يقول ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقطّع قراءته حرفا حرفا ولا يمرّ بآية رحمة إلا وقف وسأل ، ولا يمرّ بآية عذاب إلا وقف وتعوّذ (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) هذه الآية اعتراض بين آية قيام الليل ، والقول الثقيل هو القرآن واختلف في وصفه بالثقل على خمسة أقوال أحدها : أنه سمى ثقيلا لما كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يلقاه من الشدة عند نزول الوحي عليه ، حتى إن جبينه ليتفصّد عرقا في اليوم الشديد البرد ، وقد كان يثقل جسمه عليه الصلاة والسلام بذلك حتى إنه إذا أوحي إليه وهو على ناقته بركت به ، وأوحي إليه وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فكادت أن ترض فخذ زيد ، والثقل على هذا حقيقة ، الثاني أنه ثقيل على الكفار بإعجازه ووعيده ، الثالث أنه ثقيل في الميزان ، الرابع أنه كلام له وزن ورجحان ، الخامس أنه ثقيل لما تضمن من التكاليف والأوامر والنواهي ، وهذا اختيار ابن عطية. وعلى هذا يناسب الاعتراض بهذه الآية ، قيام الليل لمشقته.
(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) في الناشئة سبعة أقوال : الأول أنه النفس الناشئة بالليل ، أي التي