ما مناسبة هذين الوصفين للمعاقبة؟ فالجواب من وجهين : أحدهما أن في ذكر هذين الوصفين إشعار بأن العفو أفضل من العقوبة ، فكأنه حض على العفو ، والثاني أن في ذكرهما إعلاما بعفو الله عن المعاقب حين عاقب ، ولم يأخذ بالعفو الذي هو أولى (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ) أي ذلك النصر بسبب أن الله قادر ، ومن آيات قدرته أنه يولج الليل في النهار ، ويولج النهار في الليل ، ومعنى الإيلاج هنا أنه يدخل ظلمة هذا في مكان ضوء هذا ، ويدخل ضوء هذا مكان ظلمة هذا ، وقيل : الإيلاج هو ما ينقص من أحدهما ويزيد في الآخر.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) أي ذلك الوصف الذي وصف الله به هو بسبب أنه الحق (فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) تصبح هنا بمعنى تصير ، وفهم بعضهم أنه أراد صبيحة ليلة المطر ، فقال : لا تصبح الأرض مخضرة إلا بمكة ، والبلاد الحارة ، وأما على معنى تصير ، فذلك عام في كل بلد ، والفاء للعطف ، وليست بجواب ، ولو كانت جوابا لقوله : ألم تر لنصبت الفعل ، وكان المعنى نفي خضرتها وذلك خلاف المقصود ، وإنما قال تصبح بلفظ المضارعة ليفيد بقاءها كذلك مدة (سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) يعني البهائم والثمار والمعادن وغير ذلك (أَنْ تَقَعَ) في موضع مفعول على تقدير عن أن تقع ، وقال الزمخشري : كراهة أن تقع فهو مفعول من أجله (إِلَّا بِإِذْنِهِ) يحتمل أن يريد يوم القيامة ، فجعل طي السماء كوقوعها أو يريد بإذنه لو شاء متى شاء (أَحْياكُمْ) أي أوجدكم بعد العدم ، وعبّر عن ذلك بالحياة ؛ لأن الإنسان قبل ذلك تراب فهو جماد بلا روح ، ثم أحياه بنفخ الروح (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) يعني الموت المعروف (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) يعني البعث (لَكَفُورٌ) أي جحود للنعمة (مَنْسَكاً) هو اسم مصدر لقوله : ناسكوه ولو كان اسم مكان لقال ناسكون فيه (فَلا يُنازِعُنَّكَ) ضمير الفاعل للكفار ، والمعنى : أنه لا ينبغي منازعة النبي صلىاللهعليهوسلم ، لأن الحق قد ظهر بحيث لا يسع النزاع فيه ، فجاء الفعل بلفظ النهي والمراد غير النهي ، وقيل : إن المعنى لا تنازعهم فينازعوك ، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ، ويحتمل أن يكون نهيا لهم عن المنازعة على ظاهر اللفظ (فِي الْأَمْرِ) أي في الدين والشريعة أو في الذبائح (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) أي ادع الناس إلى عبادة ربك.