وكالوهم أو وزنوهم معناه : دفعوا لهم. فقابل القبض بالدفع. وأما على هذا الوجه الضعيف فهو خروج عن المقصود ، قال ابن عطية : ظاهر الآية أن الكيل والوزن على البائعين وليس ذلك بالجلي. قال : صدر الآية في المشترين ، فهم الذين يستوفون أو يشاحّون ويطلبون الزيادة. وقوله : وإذا كالوهم أو وزنوهم في البائعين فهم الذين يخسرون المشتري.
(أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) يعني يوم القيامة ، وهذا تهديد للمطففين وإنكار لفعلهم ، وكان عبد الله بن عمر إذا مر بالبائع يقول له : اتق الله وأوف الكيل ، فإن المطففين يوقفون يوم القيامة لعظمة الرحمن (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) الظرف منصوب بقوله : مبعوثون وقيل : بفعل مضمر أو بدل من يوم عظيم ، وقيام الناس يوم القيامة على حسب اختلافهم ، فمنهم من يقوم خمسين ألف سنة وأقل من ذلك حتى أن المؤمن يقوم على قدر الصلاة مكتوبة (كَلَّا) ردع عن التطفيف أو افتتاح كلام (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) كتاب الفجار هو ما يكتب من أعمالهم ، والفجار هنا يحتمل أن يريد به الكفار أو المطففين وإن كانوا مسلمين ، والأول أظهر لقوله بعد هذا : ويل يومئذ للمكذبين. وسجين اسم علم منقول من صفة على وزن فعيل للمبالغة ، وقد عظم أمره بقوله : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) ، ثم فسره بأنه (كِتابٌ مَرْقُومٌ) أي مسطور بين الكتابين وهو كتاب جامع يكتب فيه أعمال الشياطين والكفار ، والفجار وهو مشتق من السجن بمعنى الحبس ، لأنه سبب الحبس والتضييق ، في جهنم ولأنه في مكان الهوان والعذاب كالسجن ، فقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه في الأرض السفلى ، وروي عنه أنه في بئر هناك ، وحكى كعب عن التوراة أنه في شجرة سوداء هنالك ، وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون معنى الآية أن عدد الفجار في سجين أي كتبوا هنالك في الأزل (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) قد ذكر (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١) أي غطى على قلوبهم ما كسبوا من الذنوب ، فطمس بصائرهم فصاروا لا يعرفون الرشد من الغي وفي الحديث (٢) : أن العبد إذا أذنب ذنبا صارت نكتة سوداء في قلبه فإذا زاد ذنب آخر زاد السواد فلا يزال كذلك حتى يتغطى وهو الرين (لَمَحْجُوبُونَ) حجب
__________________
(١). بل ران : قرأها حفص بإظهار اللام وقرأ الباقون بالإدغام ، كما أنّ الألف في ران قرأها بالإمالة حمزة والكسائي وأبو بكر وقرأها الباقون بغير إمالة.
(٢). الحديث مشهور وقد رواه الإمام الطبري بعدة ألفاظ قريبة بسنده إلى أبي هريرة لدى تفسيره للآية.
وذكره المناوي وعزاه لأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم عن أبي هريرة بأسانيد صحيحة.