الكفار عن الله ، على أن المؤمنين لا يحجبون وقد استدل بها مالك والشافعي على صحة رؤية المؤمن لله في الآخرة ، وتأولها المعتزلة أن معناها محجوبون عن رحمته (١) (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) عليّون اسم علم للكتاب الذي تكتب فيه الحسنات ، وهذا جمع منقول من صفة علي ، على وزن فعيل للمبالغة وقد عظمه بقوله : (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) ثم فسره بقوله : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) وهو مشتق من العلوّ لأنه سبب في ارتفاع الدرجات في الجنة ، أو لأنه مرفوع في مكان علي ، فقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه تحت العرش ، وقال ابن عباس : هو الجنة وارتفع كتاب مرقوم في الموضعين على أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره هو كتاب ، وقال ابن عطية : كتاب مرقوم خبر إن والظرف ملغى وهذا تكلف يفسد به المعنى ، وقد روى في الأثر ما روي في الآية وهو أن الملائكة تصعد بصحيفة فيها عمل العبد فإن رضيه الله قال اجعلوه في عليين ، وإن لم يرضه قال اجعلوه في سجين (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) يعني الملائكة المقربين (الْأَرائِكِ) قد ذكر (يَنْظُرُونَ) روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال ينظرون إلى أعدائهم في النار وقيل : ينظرون إلى الجنة وما أعطاهم الله فيها (نَضْرَةَ النَّعِيمِ) أي بهجته ورونقه ، كما يرى في وجوه أهل الرفاهية العافية والخطاب في تعرف للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو لكل مخاطب من غير تعيين.
(يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) الرحيق الخمر الصافية ، والمختوم فسره الله بأن ختامه مسك ، وقرئ ختامه بألف بعد التاء ، وخاتمه بألف بعد الخاء وبفتح التاء وكسرها وفي معناه ثلاثة أقوال : أحدها أنه من الختم على الشيء ، بمعنى جعل الطابع عليه فالمعنى أنه ختم على فم الإناء الذي هو فيه بالمسك ، كما يختم على أفواه آنية الدنيا بالطين إذا قصد حفظها ، وصيانتها الثاني أنه من ختم الشيء أي تمامه فمعناه : خاتم شربه مسك أي يجد الشارب عند آخر شربه رائحة المسك ولذته الثالث أن معناه مزاجه مسك أي مزج الشراب بالمسك ، وهذا خارج عن اشتقاق اللفظ (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) التنافس في الشيء هو الرغبة فيه ، والمغالاة في طلبه والتزاحم عليه (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) تسنيم اسم لعين في الجنة ، يشرب منها المقربون صرفا ، ويمزج منه الرحيق الذي يشرب منه الأبرار ، فدل ذلك على أن درجة المقربين فوق درجة الأبرار ، فالمقربون هم السابقون والأبرار هم أصحاب اليمين (عَيْناً) منصوب على المدح بفعل مضمر ، أو على الحال من تسنيم (يَشْرَبُ بِهَا) بمعنى يشربها فالباء زائدة ويحتمل أن يكون بمعنى يشرب منها أو كقولك شربت الماء بالعسل.
__________________
(١). قول المعتزلة صادق بالنسبة إليهم ، فهم محجوبون عن رحمة الله لأنهم حكموا عقولهم في النصوص.