الأمر هو الترغيب فيه ، ومن لا يحض غيره على أمر فلا يفعله هو ، كأنه ذم لترك طعام المسكين ، والطعام هنا بمعنى الإطعام ، وقيل : هو على حذف مضاف تقديره : لا تحضون على بذل طعام المسكين ، وقرئ تحاضون بفتح الحاء وألف بعدها بمعنى لا يحض بعضكم بعضا (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا) (١) التراث هو ما يورث عن الميت من المال ، والتاء فيه بدل من الواو ، واللم : الجمع واللف ، والتقدير : أكلا ذا لمّ وهو أن يأخذ في الميراث نصيبه ونصيب غيره ، لأن العرب كانوا لا يعطون من الميراث أنثى ولا صغيرا بل ينفرد به الرجال (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) (١) أي شديدا كثيرا وهذا ذم للحرص على المال وشدة الرغبة فيه.
(دُكَّتِ الْأَرْضُ) أي سوّيت جبالها (دَكًّا دَكًّا) أي دكا بعد دكّ كما تقول : تعلمت العلم بابا بابا (وَجاءَ رَبُّكَ) تأويله عند المتأولين : جاء أمره وسلطانه وقال المنذر بن سعيد : معناه ظهوره للخلق هنالك. وهذه الآية وأمثالها من المشكلات التي يجب الإيمان بها من غير تكييف ولا تمثيل (وَالْمَلَكُ) هو اسم فإنه روي أن الملائكة كلهم يكونون صفوفا حول الأرض (صَفًّا صَفًّا) أي صفا بعد صف قد أحدقوا بالجن والإنس (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم : يؤتي يومئذ بجهنم معها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها (٢) (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) يومئذ بدل من إذا دكت ويتذكر هو العامل وهو جواب إذا دكت ، والمعنى : أن الإنسان يتذكر يوم القيامة أعماله في الدنيا ، ويندم على تفريطه وعصيانه ، والإنسان هنا جنس ، وقيل : يعني عتبة بن ربيعة ، وقيل : أمية بن خلف (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) هذا على حذف تقديره أنى له الانتفاع بالذكرى كما تقول ندم حين لم تنفعه الندامة (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) فيه وجهان : أحدهما أنه يريد الحياة في الآخرة فالمعنى : يا ليتني قدّمت عملا صالحا للآخرة ، والآخر أنه يريد الحياة الدنيا فالمعنى : يا ليتني قدمت عملا صالحا وقت حياتي ، فاللام على هذا كقوله كتبت لعشر من الشهر (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ) من قرأ بكسر الذال من يعذب ، والثاء من يوثق فالضمير في عذابه ووثاقه لله تعالى والمعنى : أن الله
__________________
(١). الكلمات : تكرمون ، تحاضون ، تأكلون ، تحبون : قرأها أبو عمرو : يكرمون يحضّون ، يأكلون ، يحبون وقوله : تحاضّون قرأها عاصم وحمزة والكسائي : تحاضّون بالألف. وقرأ الباقون : تحضّون.
(٢). هذا الحديث رواه المنذري موقوفا على ابن عباس وعزاه لتفسير آدم بن أبي إياس ورواه مسلم والترمذي عن ابن مسعود بلفظ قريب.