وقال (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك) [الآية ١٤٥] لأن معنى قوله (ولئن أتيت) [الآية ١٤٥] : ولو أتيت. ألا ترى أنك تقول : «لئن جئتني ما ضربتك» على معنى «لو» كما قال (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرّا لّظلّوا) [الرّوم : الآية ٥١] يقول : «ولو أرسلنا ريحا» لأن معنى «لئن» مثل معنى «لو» لأنّ «لو» لم تقع وكذلك «لئن» كذا يفسره المفسرون. وهو في الإعراب على أنّ آخره معتمد لليمين كأنه قال «والله ما تبعوا» أي : ما هم بمتّبعين.
وقال (الحقّ من رّبّك) [الآية ١٤٧] على ضمير الاسم ولكن استغني عنه لما ذكره كأنه قال : «هو الحقّ من ربّك».
وقال (ولكلّ وجهة هو مولّيها) [الآية ١٤٨] على : «ولكل أمّة وجهة» وقد قال قوم (ولكلّ وجهة) فلم ينونوا «كلّ». وهذا لا يكون لأنك لا تقول : «لكلّ رجل هو ضاربه» ولكن تقول : «لكلّ رجل ضارب» فلو كان «هو مولّ» كان كلاما. فأما «مولّيها» على وجه ما قرأ فليس بجائز.
وقال (لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّة إلّا الّذين ظلموا) [الآية ١٥٠] فهذا معنى «لكنّ». وزعم يونس (١) أنه سمع أعرابيا فصيحا يقول : «ما أشتكي شيئا إلّا خيرا» وذلك أنه قيل له : «كيف تجدك». وتكون «إلّا» بمنزلة الواو نحو قول الشاعر : [الكامل]
١٣٠ ـ وأرى لها دارا بأغدرة الس |
|
يدان لم يدرس لها رسم (٢) |
إلّا رمادا هامدا دفعت |
|
عنه الرياح خوالد سحم |
أراد : أرى لها دارا ورمادا. وقال بعض أهل العلم : إن الذين ظلموا ها هنا هم ناس من العرب كانوا يهودا أو نصارى ، فكانوا يحتجون على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأما سائر العرب فلم يكن لهم حجة وكانت حجة من يحتج منكسرة. إلا أنك تقول لمن تنكسر حجته «إن لك علي الحجة ولكنها منكسرة وإنك تحتج بلا حجة وحجتك ضعيفة».
وقال (ولأتمّ نعمتي عليكم) [الآية ١٥٠] يقول : «لأن لا يكون للناس
__________________
(١) يونس : هو يونس بن حبيب ، تقدمت ترجمته.
(٢) البيتان للمخبل السعدي في ديوانه ص ٣١٢ ، ولسان العرب (إلا) ، وبلا نسبة في لسان العرب (خلد) ، وتاج العروس (خلد).