وقوله (وكنتم أموتا فأحيكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم) [الآية ٢٨] فإنما يقول كنتم ترابا ونطفا فذلك ميت ، وهو سائغ في كلام العرب. تقول للثوب : «قد كان هذا قطنا» و «كان هذا الرطب بسرا». ومثل ذلك قولك للرجل : «اعمل هذا الثوب» وإنما معك غزل.
هذا باب من المجاز
(١) وأما قوله (ثمّ استوى إلى السّماء فسوّاهنّ) [الآية ٢٩] وهو إنما ذكر سماء واحدة ، فهذا لأن ذكر «السماء» قد دل عليهن كلّهنّ. وقد زعم بعض المفسرين أن «السماء» جمع مثل «اللبن». فما كان لفظه لفظ الواحد ومعناه معنى الجماعة جاز أن يجمع فقال (سواهن) فزعم بعضهم أن قوله (السّماء منفطر به) [المزمّل : الآية ١٨] جمع مذكر ك «اللّبن». ولم نسمع هذا من العرب والتفسير الأول جيد.
وقال يونس (٢) : (السّماء منفطر به) [المزمّل : الآية ١٨] ذكر كما يذكر بعض المؤنث كما قال الشاعر : [المتقارب]
٣١ ـ فلا مزنة ودقت ودقها |
|
ولا أرض أبقل إبقالها (٣) |
__________________
(١) المجاز : هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له من معنى ، لعلاقة بين المعنى الأصلي والمعنى الفرعي.
والمجاز من الجواز أي التعدي مثل : جزت موضوع كذا أي تعديت ، وجوّزت في كلامي أي تكلمت بالمجاز ، وهو عكس الحقيقة يفهم القصد منه بالقرينة ، إذ اللفظ فيه مستعمل في غير ما وضع له أصلا ، مثل : بسم الفجر. فقد استعملت لفظة : بسم بغير معناها الأصلي فدلّت على الإشراق ، كما هناك من شبه بين الابتسام والإشراق. ومثل : صافحت بحرا ، أي : كريما وجوادا.
قال ابن جني : إنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة ، وهي : الاتساع والتوكيد والتشبيه.
فإذا قلت مثلا : بنيت منزلا ، فهذا كلام حقيقي ، أما إذا قلت : بنيت له في قلبي منزلا ، فهذا مجاز واستعارة لما فيه من الاتساع والتوكيد والتشبيه.
وكما في قوله تعالى : (واسأل القرية) [يوسف : ٨٢] ، فيه المعاني الثلاثة ، أما الاتساع فلأنّه استعمل لفظ السؤال مع ما لا يصح في الحقيقة سؤاله ، وأما التشبيه فلأنها شبهت بمن يصح سؤاله ، وأما التوكيد فلأنه في ظاهر اللفظ إحالة بالسؤال على من ليس من عادته الإجابة.
(٢) يونس : هو يونس بن حبيب ، تقدمت ترجمته.
(٣) البيت لعامر بن جوين في تخليص الشواهد ص ٤٨٣ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٥ ، ٤٩ ، ٥٠ ، والدرر ٦ / ٢٦٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٧٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٣٩ ، ٤٦٠ ، وشرح شواهد ـ