خراسان التي هي من أقدم بلاد فارس وأشهرها ، وكانت ولا تزال من مراكز العلم ومعاهد الثقافة ، لأنّ فيها قبر الامام علي بن موسى الرضا «ع» ، ثامن أئمة الشيعة الاثنى عشرية ، وهي لذلك مهوى أفئدتهم ، يقصدونها من الأماكن الشاسعة والبلدان النائية.
وفيها خزانة كتب للامام الرضا «ع» يحقّ للعالم الاسلامي أن يعدّها من مفاخره.
ولد الطوسي في شهر رمضان سنة (٣٨٥) في بلدة طوس ، وهاجر الى العراق فهبط بغداد في سنة (٤٠٨) ، وكانت زعامة المذهب الجعفري فيها يومذاك لشيخ الأمة ، وعلم الشيعة محمد بن محمد النعمان الشهير ب «الشيخ المفيد» ، فلازمه مدة حياته ، ولم يفارقه ، حتى اختار الله للأستاذ دار لقائه ، في سنة (٤١٣) ، فانتقلت زعامة المذهب وقيادة الطائفة الى تلميذ المفيد السيد المرتضى ، فانحاز إليه الطوسي ، وحضر دروسه ولازمه ، وكان ممّن عنى به المرتضى ، وبالغ في توجيهه وتلقينه ، واهتمّ به أكثر من سائر تلاميذه ، لأجل القابلية الذي كان يراه فيه ، وعيّن له في كلّ شهر اثنى عشر دينارا ، وكان هذا المبلغ يومذاك له قيمة لم يعط لكلّ أحد ، بل كان الطوسي متفردا بهذا الراتب ، وبقي ملازما له طيلة ثلاثة وعشرين سنة ، حتى توفى السيد سنة (٤٣٦) ، فاستقلّ الطوسي في زعامة المذهب وقيادة الطائفة ، وأصبح علما للشيعة ، ومنارا للشريعة ، يقصده أهل الفضل والعلم من كلّ صوب ومكان ، وكانت داره في الكرخ مأوى الأمة ، ومقصد الوفاد ، يأتونها لحلّ المشاكل ، وايضاح المسائل ، وقد تقاطر اليه العلماء والفضلاء للتلمذة عليه ، والحضور تحت منبره ، حتى انّه بلغ عدد تلامذته ثلاثمائة من الشيعة ، وعدد كبير من أهل السنة ، وكان ممّن اعترف بكبر شخصيته ، وتقدمه على سواه أكثر العلماء حتى مخالفيه.
حتى بلغ الأمر أن جعل له خليفة الوقت القائم بالله (عبد الله) كرسيّ الكلام والافادة ، وكان لهذا الكرسي يومذاك عظمة وقدرا فوق الوصف ، اذ لم يعط إلّا لمن برز في علومه ، وتفوّق على أقرانه.
ولم يزل الطوسي قاطنا بغداد ، حتى حدثت الفتن بين الشيعة والسنة ، حتى اتّسع ذلك بأمر «طغرل بيك» أوّل ملوك السلجوقية ، فانّه ورد بغداد في سنة (٤٤٧) وشنّ