على الشيعة حملة شعواء ، وأمر باحراق مكتبة الشيعة التي أنشأها أبو نصر سابور بن اردشير وزير بهاء الدولة الديلمي ، في سنة (٣٨١) وتوسّعت الفتنة حتى اتّجهت الى الطوسي وأصحابه ، فاحرقوا كتبه وكرسيه الذي كان يجلس عليه للكلام.
قال ابن الجوزي في حوادث سنة (٤٤٨) : وهرب أبو جعفر الطوسي .... وقال في حوادث سنة (٤٤٩) : وفي صفر في هذه السنة كبست دار أبي جعفر الطوسي متكلّم الشيعة بالكرخ ، وأخذ ما وجد من دفاتره وكرسيّ كان يجلس عليه للكلام ، وأخرج الى الكرخ ، وأضيف إليه ثلاث سناجيق بيض كان الزّوّار من أهل الكرخ قديما يحملونها معهم اذا قصدوا زيارة الكوفة فأحرق الجميع (١).
الهجرة الى النجف الأشرف :
ولمّا رأى الطوسي الخطر قد قرب منه ، ومحدقا به ، هاجر الى النجف الأشرف لائذا بجوار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «ع» وصيّرها مركزا للعلم وجامعة كبرى للشيعة الامامية ، وعاصمة للدين الاسلامي والمذهب الجعفري ، وأخذت تشدّ إليها الرحال وتعلّق بها الآمال ، وأصبحت مهبط رجال العلم ومهوى أفئدتهم.
وكان الفضل في ذلك للطوسي ، فقد بثّ في اعلام حوزته الروح العلمية ، وغرس في قلوبهم بذور المعارف الإلهية ، فعكفوا على دروسه ، وتربّى على يديه جماعة كثيرة ، وتخرّج من مدرسته الفقهية والأصولية والحديثية والكلامية ... اعلام ورجال عرّفهم لنا التاريخ ، حتى انّه صار كلّ واحد منهم صاحب مدرسة وجمع لديه عدة ليستنيروا من بحر علومهم.
(فجامعة النجف) شيّدها الطوسي ووضع حجرها الأوّل ، تخرّج منها خلال القرون المتطاولة آلاف مؤلّفة من أساطين الدين وأعاظم الفقهاء ، وكبار الفلاسفة ونوابغ المتكلّمين ، وأفاضل المفسّرين ، وغيرهم ممّن خبروا العلوم الاسلامية بأنواعها ، وبرعوا فيها وهذه آثارهم المهمة التي تعدّ في طليعة التراث الاسلامي ، ولم تزل زاهية
__________________
(١) المنتظم ٨ : ١٧٣ ـ ١٧٩.