والاستفهام بمعنى الأمر ، أي احفظوه واتعظوا به ، وليس يحفظ من كتب الله عن ظهر القلب غيره (كَذَّبَتْ عادٌ) نبيهم هودا فعذبوا (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) (١٨) أي إنذاري لهم بالعذاب قبل نزوله ، أي وقع موقعه وقد بيّنه بقوله (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) أي شديد الصوت (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) شؤم (مُسْتَمِرٍّ) (١٩) دائم الشؤم أو قويه ، وكان يوم الأربعاء آخر الشهر (تَنْزِعُ النَّاسَ) تقلعهم من حفر الأرض المندسين فيها وتصرعهم على رؤوسهم فتدق رقابهم فتبين الرأس عن الجسد (كَأَنَّهُمْ) وحالهم ما ذكر (أَعْجازُ) أصول (نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (٢٠) منقطع ساقط على
____________________________________
كتاب يقرأ عن ظهر قلب إلا القرآن ، ولم يكن هذا لبني إسرائيل ، ولم يكونوا يقرؤون التوراة إلا نظرا ، غير موسى وهارون ويوشع بن نون وعزير صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ومن أجل ذلك افتتنوا بعزير لما كتب لهم التوراة عن ظهر قلب حين أحرقت ، ومن هذا المعنى قوله تعالى في الحديث القدسي : وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم. قوله : (أو هيأناه للتذكر) أي بأن أودعنا فيه أنواع المواعظ والعبر ، وبالجملة فقد جعل الله القرآن مهيأ ومسهلا لمن يريد حفظ اللفظ ، أو حفظ المعنى ، أو الاتعاظ به ، فهو رأس سعادة الدنيا والآخرة. قوله : (والاستفهام بمعنى الأمر) أي فهو للتحضيض. قوله : (أي احفظوه واتعظوا به) أي ليكمل لكم الاصطفاء ، فإن من أتاه الله القرآن حفظا أو اتعاظا ، فقد جعله الله من أهله ، ومن جمع بين الأمرين ، فهو على أكمل الأحوال.
قوله : (كَذَّبَتْ عادٌ) الخ ، هذا أيضا من جملة تفصيل قوله (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) وذكر قصة عاد عقب قصة نوح ، لأنهم ذرية نوح ، لأن عادا هو ابن إرم بن سام بن نوح. قوله : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) مرتب على محذوف قدره بقوله : (فعذبوا). قوله : (أي وقع موقعه) أي فتعذيبه لهم عدل منه تعالى ، لأنه أنذرهم أولا على لسان نبيهم فلم يؤمنوا ، وذلك لأنه جرت عادة الله تعالى ، أنه لا يؤاخذ عبدا بغير جرم تنزلا منه تعالى ، وإلا فلو أخذ عباده بغير جرم لا يسمى ظالما ، لأنه تصرف في ملكه ، والظلم التصرف في ملك الغير بغير إذنه. قوله : (وقد بينه بقوله) الخ ، أشار بذلك إلى أن قوله : (إِنَّا أَرْسَلْنا) الخ ، تفصيل لما أجمل أولا. قوله : (شؤم) أي غير مبارك. قوله : (دائم الشؤم) أي إلى الأبد عليهم ، وهو يوم مبارك على هود ومن تبعه ، فهو يوم نحس على الكافرين ، ويوم مبارك على المؤمنين. قوله : (أو قوية) أي فهو مأخوذ من المرة وهي القوة ، وفي الحقيقة هو دائم الشؤم قوية. قوله : (آخر الشهر) أي شهر شوال لثمان بقين منه ؛ واستمر إلى غروب الشمس من يوم الأربعاء آخره ، والمعنى أنه أتاهم العذاب يوم الأربعاء ، والباقي من شوال ثمانية أيام ، فاستمر عليهم لآخره ، قال تعالى في سورة الحاقة (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) إذا علمت ذلك ، فليس المراد بقول المفسر : (آخر الشهر) أن يوم نزول العذاب ، كان آخر الشهر ، بل هو منتهاه.
قوله : (تَنْزِعُ النَّاسَ) أظهر في مقام الإضمار ، ليكون صريحا في عموم الذكور ، وإلا فمقتضى الظاهر تنزعهم. قوله : (المندسين فيها) أي فقد روي أنهم دخلوا في الشعاب والحفر ، وتمسك بعضهم ببعض ، فنزعتهم الريح منها وصرعتهم موتى. قوله : (وحالهم ما ذكر) الجملة حالية من ضمير كأنهم ، وفيه إشارة إلى أن قوله : (كَأَنَّهُمْ) حال من الناس مقدرة ، وذلك لأنهم حين إخراجهم من الحفر ، لم