الثالث : أنّ ما ذكرناه في الإرادة لا يختصّ بالإرادة الفاعليّة ، بل هو جار في الإرادة التشريعيّة أيضا ، لأنّها أيضا ناشئة عن المصلحة ، فلا يمكن تعلّقها بما لا مصلحة فيه.
الرابع : إنّ الأمر بعث نحو المراد ، كما أنّ النهي زجر عن المكروه. وعليه ، فهما تابعان للإرادة والكراهة ؛ فإذا عرفت أنّ الإرادة لا تتعلّق إلّا بما فيه المصلحة ، فمتعلّق الأمر أيضا لا يكون إلّا ما تعلّقت به الإرادة ، وهكذا في طرف الكراهة.
وممّا ذكر يظهر ما في مناهج الوصول من أنّ التحقيق الذي يساعد عليه الوجدان هو أنّ الأمر متعلّق بنفس الماهيّة ، في حين توجّه الأمر إلى معدوميّتها ، ويريد بالأمر سدّ باب أعدامها وإخراجها إلى الوجود بوسيلة المكلّف (١).
وذلك لأنّ نفس الماهيّة لا مصلحة فيها ، فلا يمكن أن تكون بنفسها غرضا للعاقل حتّى تتعلّق بها الإرادة والبعث ، فهذا أمر وجدانيّ ارتكازيّ.
لا نقول إنّ الماهيّة من حيث هي ليست إلّا هي ، فلا يمكن في هذه المرتبة أن تكون مطلوبة ومرادة ولا مأمورا بها حتّى يقال هذا لا ينافي لحوق شيء بها ، إذ الماهيّة وإن كانت من حيث هي ليست إلّا هي ، أي في مرتبة ذاتها لا تكون إلّا نفس ذاتها ، لكن تلحقها الوحدة والكثرة والوجود وغيرها من خارج ذاتها ، وكلّ ما يلحقها ليس ذاتا ولا ذاتيّا لها. بل نقول : إنّ الماهيّة من حيث هي هي لا مصلحة فيها ، ومع عدم وجود المصلحة فيها لا ينقدح في النفس شوق وإرادة بالنسبة إليها حتّى يستفاد بدلالة الاقتضاء أنّ مريد الماهيّة من حيث هي هي أراد تحصيلها في الخارج.
الخامس : إنّ الكلّيّ الطبيعيّ لا يكون بما هو كلّيّ في الخارج ، لأنّ الخارجيّات جزئيّات ولا تصلح للصدق على الكثيرين ، بل هي حصص موجودة ومتكثّرة في
__________________
(١) مناهج : ج ٢ ص ٦٩.