ومبعد عن ساحته فلا يمكن أن يقع مقرّبا ؛ والنهي فيما نحن فيه لا يكشف عن المفسدة ، بل العقل يحكم بتحقّق المصلحة الملزمة في الضدّ المزاحم لعدم المزاحمة بين المقتضيات.
وأيضا النهي الاستلزامي الذي يكون من جهة ملازمة شيء للمأمور به بالأمر المقدّميّ لا يكون موجبا للبعد عن ساحة المولى فلا يوجب الفساد. انتهى (١).
والحاصل أنّ النهي النفسيّ يقتضي الفساد لا النهي الغيريّ لأنّ العبادة مع النهي الغيريّ لا مفسدة فيها حتّى يكشف النهي عن وجودها ، وهي تقتضي الفساد والعصيان والمخالفة ليس من ناحية إتيان العبادة بل من ناحية ترك الأهمّ وهو الإزالة ، وهو متلازم مع اتيان العبادة ، وحكم ترك الأهمّ لا يسري إلى إتيان العبادة إلّا بالعرض والمسامحة ، والعرض والمسامحة غير مقتض للفساد والتزاحم من جهة عدم إمكان الجمع بينهما ، لا من جهة المقتضيات ، بل جهة الاقتضاء في كلّ واحد منهما تامّة للخطاب ، وإنّما تقدّم طرف الإزالة لأهمّيّتها على جهة الاقتضاء في طرف العبادة ، فالمزاحمة لا توجب إلّا ارتفاع الأمر المتعلّق بالمهمّ فعلا مع بقاء المهمّ على ما هو عليه من المقتضيات ، والمفروض أنّ النهي الغيريّ لا يوجب مفسدة فيها ومعه ، لا وجه للبطلان. كما لا يخفى.
وثانيا : بما أفاده سيّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدسسره من أنّه لو سلّمنا كشف النهي الغيريّ عن المفسدة لا يكفي ذلك في الحكم ببطلان فعل العبادة لإمكان مزاحمة المفسدة المكشوفة بالنهي الغيريّ مع مصلحة الفعل وغلبتها عليها. ألا ترى أنّ في ترك صوم عاشوراء مصلحة عدم المشابهة ببني أميّة ، ومع ذلك يكون الصوم في اليوم المذكور صحيحا لتزاحم مصلحة الصوم مع مفسدة التشابه وغلبتها عليها ، فمجرّد الكشف عن مفسدة لا يكفي في الحكم ببطلان العبادة بل يحتاج إلى غلبة المفسدة
__________________
(١) مناهج الوصول : ٢ / ٢٠.