أمر الأهمّ.
والحاصل أنّه لا تضادّ إلّا من ناحية الامتثال ، فإذا كان لزوم امتثال المهمّ موقوفا على البناء على ترك الامتثال بالأهمّ لا يلزم التضادّ ، كما لا يخفى.
قال في الوقاية : وبالجملة ، مزاحمة الأمرين لا يكون إلّا لاقتضاء الأمر طرد جميع الأضداد حتّى متعلّق الأمر الآخر وسدّ جميع أبواب العدم على متعلّقه ، والالزام بعدم صرف القدرة على أيّ ضدّ كان له والمنع من تفويت متعلّقه ولو بإتيان غيره ، إلى غير ذلك من التعبيرات المختلفة المنتهية إلى حقيقة واحدة ، وهي اقتضاؤه عدم الترك مطلقا ؛ وهذا شأن الواجب المطلق.
ولو كان الأمر المتعلّق بالمهمّ كذلك لزم جميع ذلك ، ولكنّه ـ كما عرفت ـ أمر مشروط بعصيان الأمر الآخر ـ إلى أن قال ـ : ومعناه عدم تحقّق مؤدّاه وعدم تأثيره وعدم قابليّته للتأثير ، وذلك مرتبة متأخّرة عن نفس الأمر ، بل هي مرتبة انعزاله عن مقتضاه وعدم صلاحيّته للتأثير. وهذه المرتبة مرتبة الواجب المشروط ، فكيف يكون في مرتبة الأمر الأوّل وهو متأخّر عنه تأخّر المعلول عن علّته؟ إلى أن قال :
وخلاصة القول أنّه لا تضادّ بين الأمرين ، بل التضادّ بين الفعلين ، والأمر على نحو الترتّب لا يؤول إلى الجمع بينهما أصلا ، إذ المفروض في وجود أحدهما عدم وجود الآخر وخلوّ المحلّ فأين المحال؟! (١).
ولقد أفاد وأجاد في بيان أنّ الأمر بالمهمّ ليس بمطلق ، بل هو مشروط بعدم تأثير الأمر بالأهمّ ، ولا تضادّ بين الأمرين ، ولا يلزم من ترتّب الأمر بالمهمّ على عدم تأثير الأمر بالأهمّ وخلوّ المحلّ عن وجوده طلب الجمع بين الضدّين.
ولعلّ مراده أنّ الملاك في دفع التضادّ هو عدم تأثير الأمر بالأهمّ في الانبعاث ،
__________________
(١) الوقاية : ص ٣٠٦ ـ ٣٠٩.