عليه (١).
وهو أيضا بيان تامّ يفيد التوحيد في وجوب الوجود والتوحيد في استحقاق العبادة اللهم إلّا أن يقال إنّه بعيد عن الأذهان ولذلك ذهب في نهاية الأصول إلى أنّ العرب في صدر الإسلام لم يكونوا مشركين في أصل واجب الوجود بحيث يعتقدون وجود آلهة متعدّدة في عرض واحد بل كانت صفات الألوهيّة ثابتة عندهم لذات واحدة وإنّما كانوا مشركين في العبادة حيث كانوا يعبدون بعض التماثيل التي ظنّوا أنّها وسائط بينهم وبين الله وكانوا يعتقدون استحقاقها للعبوديّة أيضا كما يشهد بذلك قوله تعالى حكاية عنهم (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ) فكلمة الإخلاص وردت لردعهم عن ذلك فمعناها نفي استحقاق العبوديّة عمّا سواه كما يشهد بذلك معنى كلمة «إله» فإنّها بمعنى المعبود وبالجملة كلمة الإخلاص لإثبات التوحيد في العبادة لا في الألوهيّة إذ التوحيد في أصل الألوهيّة كان ثابتا عندهم قبل الإسلام أيضا فافهم (٢).
وتبعه سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره حيث قال : ويمكن أن يقال إنّ عبدة الأوثان في زمانه كانوا معتقدين بالله تعالى لكن جعلوا الأوثان وسائط له وكانوا يعبدونها لتقرّبهم إلى الله تعالى فقبول كلمة التوحيد إنّما هو لأجل نفي الآلهة (أي المعبودين) لا إثبات وجود الباري تعالى فإنّه كان مفروغا عنه (٣).
ومن المعلوم أنّ الاعتقاد بوحدة الألوهيّة والمفروغيّة بالنسبة إلى توحيد وجود الباريّ تعالى يكفي في واجب الاعتقاد ولا يلزم أن يكون عندهم مدلّلا بالأدلّة الفلسفيّة بل يكفي تطابقه مع الواقع وهذا الاعتقاد حاصل ومفروغ عنه ولا نزاع بين النبيّ صلىاللهعليهوآله وبين المشركين في ذلك وإنّما النزاع في وحدة المستحقّ للعبادة وهذا هو
__________________
(١) نهاية الدراية : ج ٢ ص ١٨١.
(٢) نهاية الأصول : ج ١ ص ٣١٣.
(٣) مناهج الوصول : ج ٢ ص ٢٢٦.