بها ... إلى أن قال : إنّ استحقاق المدح والذمّ بالإضافة إلى العدل والظلم ليس من الأوّليّات بحيث يكفي تصوّر الطرفين في الحكم بثبوت النسبة كيف وقد وقع النزاع فيه من العقلاء؟! وكذا ليس من الحسّيّات كما هو واضح ، لعدم كون الاستحقاق مشاهدا ، ولا بنفسه من الكيفيّات النفسانية الحاضرة بنفسها للنفس ، وكذا ليس من الفطريّات أو ليس لازمها قياس يدلّ على ثبوت النسبة ، الخ. (١)
وذلك لما عرفت من وجدان الاشمئزاز والابتهاج ، وهما من كيفيّات النفس ، فلا وجه لمنع كون الاستحقاق من الكيفيّات النفسيّة.
والظاهر من الكفاية الاستدلال بالوجه العقلي حيث قال : الحقّ أنّه يوجبه ؛ لشهادة الوجدان بصحّة مؤاخذته وذمّه على تجريه وهتك حرمته لمولاه وخروجه عن رسوم عبوديته وكونه بصدد الطغيان وعزمه على العصيان ، وصحّة مثوبته ومدحه على إقامته بما هو قضيّة عبوديّته من العزم على موافقته والبناء على طاعته (٢).
ظاهره الاستدلال بوجه عقليّ بديهيّ على الاستحقاق وإن كان كلامه محلّ تأمّل ونظر من جهة اكتفائه بالعزم مع أنّ العزم المتعقّب بالفعل الخارجي يكون موجبا لاستحقاق العقوبة لا مجرّد العزم.
وقال في الوقاية : وأمّا استحقاقه العقاب فلا مانع عنه بل هو الظاهر ؛ وذلك لأنّ الإقدام على المعصية وعدم المبالاة بنهي المولى ـ ونحوهما من التعبيرات المختلفة المؤدّية إلى معنى واحد وهو التجرّي بالمعنى الجامع بين المعصية الواقعيّة والتجرّي الاصطلاحي ـ هو موضوع حكم العقل باستحقاق العقاب ، ولولاه لما حكم العقل به ولا توجّه اللوم والذمّ من العقلاء على مرتكب المعصية ؛ إذ هي مع التجرّد عن هذا
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ : ٨.
(٢) الكفاية ٢ : ١١.