الفصل الثالث : في الوجوه التي استدلّ بها لاستحالة التعبّد بغير العلم من الأمارات والاصول. وهي متعددة :
أحدها : أنّ التعبّد بغير العلم محال ؛ لأنّ مرجعه إلى اجتماع المثلين من إيجابين أو تحريمين مثلا فيما إذا أصاب أو اجتماع ضدّين من إيجاب وتحريم أو إرادة وكراهة أو مصلحة ومفسدة ملزمتين بلا كسر وانكسار في البين لبقائهما على ما عليهما فيما إذا أخطأ بناء على القول بالتخطئة وإلّا يلزم من التعبّد بغير العلم أن لا يكون هناك أحكام غير مؤدّيات الأمارات ، وهو التصويب.
وثانيها : أنّه يلزم من التعبّد بغير العلم تكليف بالمحال ، وهو طلب الضدّين فيما إذا أخطأ وأدّى إلى وجوب ضدّ الواجب ، وهو لا يقع من الحكيم المتعال.
وثالثها : أنّه يلزم من التعبّد بغير العلم تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة فيما إذا أدّى إلى عدم وجوب ما هو واجب في الواقع أو عدم حرمة ما هو حرام في الواقع وكونه محكوما بسائر الأحكام.
ورابعها : أنّ الأمارة ربّما تقوم على وجوب ما هو مباح واقعا أو على حرمة ما هو مباح كذلك ، ولازم حجّيّة الأمارة حينئذ هو الإلزام بشيء من الفعل أو الترك من دون أن تكون فيه مصلحة ملزمة ، أو مفسدة ملزمة ، مع أنّا نقول بتبعيّة الأحكام الشرعيّة للمصالح والمفاسد ، ولعلّ هذا هو مراد من يقول : إنّ حجّيّة الأمارة تستلزم تحريم الحلال أو إيجابه.