الجهة التاسعة : في قطع القطّاع والوسواس ونحوهما. وقد مرّ تفصيل ذلك في الجهة الثالثة. ومحصّله : أنّ حكم العقل بالتنجيز وقبح مخالفة التكليف المقطوع واستحقاق العقوبة يكون من باب أنّ المخالفة مع التكليف المعلوم مصداق الهتك للمولى ، وهو مصداق للظلم. وهذا الحكم متفرّع على المخالفة مع التكليف المعلوم من حيث هي المخالفة ، ولا ينافي ذلك أن ينطبق على المخالفة حكم آخر من جهة طروّ عنوان آخر أهمّ يزاحمه كالتحرّز عن الوقوع في كثير من الموارد في خلاف الواقع أو التحرّز عن إطاعة الشيطان المخالف لله تعالى وسلطته ؛ إذ مع طرو العنوان الأهم المذكور لا يبقى حكم العقل بالقبح على فعليّته ؛ لوجود التزاحم بالأهمّ.
وعليه فلا مانع من أن يحكم الشارع بالمنع عن العمل بالمقطوع المذكور من جهة علمه بطروّ عنوان أهمّ عليه يقتضي الحكم بالمنع. بل كلّ عاقل لا يحكم بفعليّة القبح لو التفت إلى طروّ العنوان الأهمّ. نعم من لم يلتفت إليه رأى أنّ وظيفته هو الأخذ بما حكم به عقله ، ولا يمكن ردعه عن ذلك إلّا بتنبيهه إلى طروّ العنوان المذكور أو النهي عن سلوك مقدّمات القطع ، ولكن لا يكون معذورا لو قصّر في ذلك ، كما لا يكون الجاهل المقصّر معذورا بل لا تنجيز للقطع المذكور ؛ لأنّ التنجيز ليس كالكشف أمرا ذاتيّا قهريّا للقطع ، بل هو حكم العقل. ومن المعلوم أنّ العقل يراعي في أحكامه المصالح والمفاسد والمزاحمات ، ففي صورة تزاحم مصلحة الإطاعة لله تعالى مع مفسدة مثل تعوّد إطاعة الشيطان وسلطته لا حكم له بالإطاعة بالفعل للتزاحم المذكور.
وممّا ذكر يظهر ما في كلمات الأعلام في المقام حيث ذهبوا إلى تنجّز التكليف