الباب الثاني في الظنّ
وفيه فصول :
الفصل الأوّل في إمكان التّعبد به ذاتا
ولا يخفى عليك أنّ الظنّ ليس كالقطع في كونه علّة أو مقتضيا للحجّيّة ، إذ الظنّ لا يكون كشفا تامّا حتّى يثبت به موضوع حكم العقل ، هذا بخلاف القطع فإنّ به يثبت موضوع حكم العقل ، ويترتّب عليه الحجّيّة ، مثلا إذا قطعنا بالوجوب كانت مخالفته مصداقا للظلم ، والظلم موضوع لحكم العقل بالقبح واستحقاق العقوبة. وأمّا إذا حصل لنا الظنّ بالوجوب لم يتحقّق به موضوع الحكم العقلي ما لم ينضمّ إليه حكم الشرع والتعبّد به ؛ إذ الموضوع هو المخالفة مع التكليف التي تكون مصداقا من مصاديق عنوان الظلم ، وهو لا يثبت بالانكشاف الناقص من دون تعبّد به. وعليه فلا مانع من أن يرد التعبّد به ويجعل الحجّيّة له من الشارع سواء كان الكاشف عن حجّيّته ظواهر الآيات والسنّة أو الإجماع أو مقدّمات الانسداد الموجبة لكشف العقل أنّ الشارع جعل الظنّ حجّة ؛ إذ التعبّد به وجعل الحجّيّة له ليس بتناقض ، ولا باجتماع المثلين لعدم ثبوت شيء من الأحكام بنفس الظنّ فيصحّ أن يقال : جعل الحجية للظنّ ممكن ذاتا ولا فرق فيما ذكر بين مقام الإثبات وبين مقام سقوط التكليف ، فكما أنّ بالظنّ لا يثبت حكم ، فكذلك لا يكتفى بالظنّ في مقام الامتثال ، بل اللازم هو القطع بالفراغ بعد اليقين بالاشتغال.