لا يشابه حركة الحيوان بفطرته وغريزته ؛ فإنّ الإطاعة وترك المخالفة بعد التقبيح والتحسين مسبوقتان بالإدراك العقلي ، بخلاف حركة الحيوان فإنّها ليست كذلك ، فلا وجه لتشبيه المقام بالحركات الغريزيّة الحيوانيّة ؛ فإنّها ليست منبعثة عن القوّة العقلائيّة ، بل حركة الإنسان نحو الإطاعة وترك المخالفة حركة إدراكيّة لسبق إدراكه ضرورة ترتّب استحقاق العقوبة للمخالفة. ولا ضير بعد درك ضرورة الترتّب في أنّ العقل يأمر وينهى أولا يأمر ولا ينهى ، بل يترتّب على درك الضرورة فائدة الأمر والنهي أيضا ، فلا تغفل.
الجهة الثالثة : فى أنّه هل يجوز للشارع أن ينهى عن العمل بالقطع أولا؟
قال الشيخ الأعظم قدسسره ولا يجوز للشارع أن ينهى عن العمل به ؛ لأنّه مستلزم للتناقض ، فإذا قطع بكون مائع بولا من أيّ سبب كان فلا يجوز للشارع أن يحكم بعدم نجاسته أو عدم وجوب الاجتناب عنه ؛ لأنّ المفروض أنّه بمجرّد القطع يحصل له صغرى وكبرى ، أعني قوله هذا بول وكلّ بول يجب الاجتناب عنه فهذا يجب الاجتناب عنه ، فحكم الشارع بأنه لا يجب الاجتناب عنه مناقض له ، إلّا إذا فرض عدم كون النجاسة وحرمة الاجتناب من أحكام نفس البول بل من أحكام ما علم بوليّته على وجه خاصّ من حيث السبب أو الشخص أو غيرهما ، فيكون مأخوذا في الموضوع وحكمه أنّه يتّبع في اعتباره مطلقا أو على وجه خاصّ دليل ذلك الحكم الثابت الذي أخذ العلم في موضوعه ، (١) انتهى موضع الحاجة
قال المحقّق الخراساني بعد جعل تأثير القطع في التنجيز أمرا لازما للقطع : ولذلك انقدح امتناع المنع عن تأثيره أيضا مع أنّه يلزم منه اجتماع الضدّين اعتقادا
__________________
(١) فرائد الاصول : ٣. ط ـ قديم.