الفصل الثامن : في الاستثناء المتعقّب للجمل
ولا يخفى عليك أنّه إذا تعقّب الاستثناء جملا متعدّدة مثل قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) الآية (١) وقد وقع الكلام في أنّ الاستثناء ظاهر في استثناء الجميع من الفسق ومن الحكم بعدم قبول الشهادة ومن الحكم بجلدهم ثمانين.
أو ظاهر في خصوص الأخيرة أو لا ظهور له في واحد منها وجوه أو أقوال يقع الكلام في مقامين.
المقام الأوّل : في مقام الثبوت وإمكان رجوع الاستثناء إلى الجميع ولا يخفى عليك أنّه قد ادّعى غير واحد أنّ رجوع الاستثناء إلى الجميع مستلزم لاستعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد وهو غير ممكن وقد أجاب عنه في الكفاية بأنّ رجوعه إلى الكلّ ممكن وصحيح ضرورة أنّ تعدّد المستثنى منه كتعدّد المستثنى في أنّه لا يوجب تفاوتا أصلا في ناحية الأداة بحسب المعنى وكان المستعمل فيه الأداة فيما كان المستثنى منه متعدّدا هو المستعمل فيه فيما كان واحدا كما هو الحال في المستثنى وتعدّد المخرج أو المخرج عنه خارجا لا يوجب تعدّد المستعمل فيه أداة الإخراج مفهوما (فلا يرد عليه أنّ الأداة لما وضعت للإخراج بالحمل الشائع بناء على أنّ الموضوع له في الحروف
__________________
(١) النور : ٤ ـ ٥.