وحاصل المحذورات المتوهّمة كما أشار إليه سيدنا الإمام المجاهد (١) ـ أنّها راجعة إلى اجتماع ملاكات متضادّة في الأحكام كاجتماع المصلحة والمفسدة الملزمتين بلا كسر وانكسار أو إلى اجتماع المبادئ المتضادّة في الخطابات كاجتماع الكراهة والإرادة واجتماع الحبّ والبغض أو إلى اجتماع الخطابات المتضادّة أو المناقضة أو المتماثلة في الأحكام أو إلى لزوم ما لا يناسبه الحكمة كتفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة أو تحريم الحلال أو إيجابه مع أنّ الحلال والمباح لا يليق بالتحريم أو الإيجاب.
ثمّ إنّ الجواب عن هذه الإشكالات متعدّد ومختلف بحسب اختلاف المحذورات المذكورة
وليعلم قبل ذكر الجوابات أنّ المستشكل هو ابن قبة ـ بالقاف المسكورة والباء المفتوحة أو القاف المضمومة وتشديد الباء ـ وهو أبو جعفر محمّد بن عبد الرّحمن بن قبة الرازي فقيه رفيع المنزلة من متكلّمي الإماميّة صاحب كتاب الإنصاف في الإمامة الذي نقل الشيخ المفيد منه في العيون والمحاسن ، وكان قديما من المعتزلة ثم تبصّر ، وكان قد حجّ على قدمه خمسين حجّة (٢) ، وحيث عرفت أنّه أسبق من المفيد والسيّد المرتضى واتباعهما من الذين ادّعوا انفتاح باب العلم فلا يظنّ بالمستشكل أنّه أراد الامتناع في فرض انسداد باب العلم بالواقع ، وإلّا ـ فكما أفاد الشيخ الأعظم قدسسره ـ فلا يعقل المنع عن العمل بالظنّ فضلا عن امتناعه ؛ إذ مع فرض عدم التمكّن من العلم بالواقع إمّا أن يكون للمكلّف حكم في تلك الواقعة ، وإمّا أن لا يكون له فيها حكم كالبهائم والمجانين. فعلى الأوّل فلا مناص عن إرجاعه إلى ما لا يفيد العلم من الاصول والأمارات الظنّيّة التي منها الخبر الواحد.
__________________
(١) تهذيب الاصول ٢ : ٦٠.
(٢) الكنى والألقاب ، رجال النجاشي ، خلاصة الرجال للعلّامة وغيرها من الكتب.