والتحقيق : أنّ العقل قد يكون محيطا بالنسبة إلى المناطات والعلل فحينئذ يكون حاكما ، وقد لا يكون كذلك فلا يكون حينئذ حاكما.
ثمّ إنّ تخصيص إدراك الحسن والقبح في القسم الثاني بدائرة المعلولات للاحكام كالطاعة والمعصية غير سديد ؛ لأنّ المستقلّات العقليّة لا تختصّ بتلك الدائرة ، بل تعمّ دائرة العلل كإدراك حسن العدل وقبح الظلم أو حسن شكر المنعم وقبح كفرانه أو حسن دفع الضرر المحتمل وقبح الإلقاء في التهلكة أو حسن تصديق النبي بعد إقامة المعجز وقبح الكفر به أو حسن الإرشاد إلى المصالح وقبح الإغراء إلى خلافها وهكذا. وعليه فدعوى الملازمة بين الحكم العقلي المحيط بالمناطات ودائرة العلل وبين حكم الشارع غير مجازفة.
لا يقال : إنّ أدلّة نفي الحرج وأدلّة نفي التكليف عن الصبيّ المراهق مع تماميّة حسن الفعل يكفي للاستدلال لعدم الملازمة بين الحكم العقليّ والحكم الشرعي ، حيث إنّ العقل يحكم بلزوم الفعل في الموردين مع أنّ الشرع لا يحكم به.
لأنّا نقول إنّا نمنع حكم العقل في مثلهما ؛ إذ مجرّد وجود المصلحة في المتعلّق لا يكفي ، بل اللازم هو ملاحظة حسن نفس التكليف وعدم وقوع المكلّفين في المشقّة أيضا ، وحسن التكليف في صورة المشقّة وقبل حصول البلوغ الشرعي غير محرز ، ومعه لم يثبت الحكم العقلي.
لا يقال : بعد حكم الشارع بما هو عاقل بالمدح أو الذمّ المستتبعان لاستحقاق المثوبة والعقوبة حصل الداعي من قبل الشارع بما هو عاقل ، فلا مجال بعد ذلك لجعل الداعي بعد ثبوت الداعي ؛ لأنّه تحصيل الحاصل واختلاف حيثيّة العاقليّة وحيثيّة الشارعيّة لا يرفع محذور ثبوت داعيين متماثلين مستقلّين في الدعوة بالنسبة إلى فعل