ولا مجال لإنكار حكم العقل في أمثال هذه الموارد ولو لا ذلك لما كان طريقا إلى إثبات النبوّة والشريعة ولو لا حكم العقل بقبح الإغراء لم يمكن تصديق النبيّ بعد إقامة المعجزة ، لاحتمال الكذب في ادّعاء النبوّة. ففي هذه الموارد يصحّ دعوى الملازمة بين الحكم العقل والشرع.
نعم حكم العقل بحسن الطاعة ، وقبح المعصية يكون في طول الحكم الشرعي وفي مرتبة معلوله ، إذ الموضوع مقدّم على الحكم ، وهو الطاعة والمعصية ، وهما بعد صدور أمر مولويّ من الشارع فلا يمكن في مثل هذا المورد أن يكشف الحكم العقليّ عن الحكم الشرعيّ ، كما لا يخفى.
لا يقال إنّ دعوى الملازمة وإن كانت ممكنة ، ولكن مع إمكان اكتفاء الشارع بالحكم العقلي البديهي بما هو عاقل ، لا ملزم عليه أن يحكم به بما هو شارع.
لأنّا نقول ، إنّ الإنصاف ، أنّ الحكم العقلي كثيرا ما لا يكفي في إمكان جعل الداعي في أوساط الناس ، وعليه فمقتضى قاعدة اللطف والحكمة ، هو أن يحكم الشارع بما هو شارع أيضا ، فما نسب إلى المشهور من وجود الملازمة صحيح عند إحاطة العقل بالعلل وعدم وجود المزاحمات ، وكون حكمه في ناحية العلل والمناطات ، أو الواقعيّات التي تكون من المقدّمات والمبادي.
والثالث : أنّ العقل يدرك أمورا واقعيّة ، مع قطع النظر عن ثبوت شرع وشريعة ، نظير إدراكه استحالة اجتماع النقيضين ، أو الضدّين ، أو تقدّم المعلول على وجود العلّة وغير ذلك ، ويسمّى إدراكه بالنسبة إلى هذه الامور عقلا نظريّا.
وهذه الامور كثيرا ما تنضمّ بصغريات شرعيّة ، وبعد تماميّة الصغرى والكبرى يستكشف بها الحكم الشرعيّ ولا كلام ولا خلاف في ذلك.
وأمّا الملازمة الثانية ، أعني قاعدة كلّ ما حكم به الشرع ، حكم به العقل ، فهي صحيحة ، إن اريد من الحكم الشرعيّ ، الحكم الشرعيّ الحقيقي ، واريد من العقل هو