سواء ، بمعنى أنّه لا تمييز لأحدهما على الآخر في مقام الداعويّة. وعليه فيصدر كلّ من الفعلين عن داعيين أحدهما إلهيّ والآخر دنيويّ ، وهو ينافي المقربيّة. (١)
وفيه : أنّ التكرار بداعي الموافقة لا يوجب التشريع ؛ لوجود الأمر بينهما ، ويتطلّب الأمر الموافقة وهي تصلح للداعويّة وإن لم يعلم بأنّ الموافق أيّهما كان ولا ينافي ذلك كون التخلّص من تعب تحصيل العلم التفصيلي داعيا لاختيار كيفيّة الامتثال الإجمالي.
وبعبارة اخرى : الأمر يدور بين أحد التعبين المتضادّين : أحدهما تحصيل العلم التفصيلي والآخر هو الاحتياط الإجمالي ، والمكلّف إذا اختار تعب الاحتياط الإجمالي يتخلّص من تعب تحصيل العلم التفصيلي ، لأنّ كلّ ضدّ ملازم لعدم الآخر كما لا يخفى. وعليه فالداعي بالنسبة إلى أصل الامتثال هو الموافقة للأمر الواقعي وهو داع إلهيّ وبالنسبة إلى كيفيّة الامتثال يكون داعيه غير إلهيّ ولا إشكال في ذلك بعد ما عرفت من عدم لزوم قصد القربة في خصوصيّات الامتثال وكيفيّته فلا تفعل.
الجهة الثالثة : فيما إذا لم يتمكّن المكلّف من الامتثال العلميّ التفصيلي ودار الأمر بين الامتثال العلميّ الإجماليّ والامتثال الظنّيّ التفصيلي.
ولا يخفى عليك أنّه إن كان الامتثال الظنّيّ التفصيلي ممّا قام دليل خاصّ على اعتباره ، فإن كانت حجّيّته مترتّبة على عدم إمكان الامتثال العلميّ الإجمالي فالمتعيّن هو الامتثال الإجمالي ، وإن لم تكن حجّيّته مترتّبة فالامتثال الظنّيّ التفصيلي كالعلم التفصيلي ، فكما نقول بجواز الامتثال العلميّ الإجمالي مع التمكّن من العلم التفصيلي ، فكذلك نقول بجواز الامتثال الإجمالي مع التمكّن من الامتثال الظنّيّ التفصيلي المعتبر بالدليل الخاصّ حرفا بحرف.
__________________
(١) (منتقى الاصول ٤ / ١٢٨ ـ ١٢٩)