بالاصول ؛ لأنّ لزوم الاتّباع عن العلم يوجب مفسدة عظيمة ، ومعها تسقط الأحكام الواقعيّة عن الفعليّة ، ومع سقوطها عن الفعليّة وحملها على الشأنيّة كما لا مانع من التعبّد بالأمارات فكذلك لا مانع من التعبّد بالأصول من دون فرق بين أن تكون الاصول محرزة وبين أن لا تكون كذلك.
ولقد أفاد وأجاد سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره في دفع الإشكال في التعبّد بالاصول العمليّة حيث قال : تقرير دفع الإشكال فيها يقرّب ممّا ذكرناه في الأمارات ، فإنّه مع عدم قاعدة الفراغ والتجاوز يلزم مفسدة عظيمة لا يمكن تحمّلها ؛ فإنّه قلّما يتّفق لإنسان أن يخرج من صلاته أو من الوقت ويتيقّن الإتيان بجميع ما يعتبر فى الصلاة ، بل إذا لاحظنا الصلوات المأتيّ بها سابقا في السنوات الماضية فالغالب عدم حصول اليقين بالإتيان بتمام أجزائها ومراعاة شرائطها تامّة وعدم الإخلال بها سهوا ونسيانا فلو لا اعتبار قاعدة الفراغ شرعا كان عليه أن يأتي بها أي بكلّ ما يشكّ فيه أداء وقضاء ، وهذا عسر شديد وحرج عظيم لا يتحمّلها أكثر الناس.
وحينئذ فمع تشريع الاصول دفعا للحرج والضرر والخروج عن الدين بعدم التزام المكلّفين بالأحكام الشرعيّة مع علم الشارع بأنّها قد تخالف الواقع لا بدّ أن يرفع اليد عن الحكم الواقعي ويغمض النظر عنه في موارد مخالفتها للواقع وعدم إرادته له فعلا مع الترخيص في العمل بالأمارات والاصول مع وجود الحكم الواقعي وتحقّقه وثبوته لجميع المكلّفين ، لكنّه ليس بفعليّ بل شأنيّ حينئذ. (١)
وإليه يؤوّل ما في الكفاية من الفعلي من بعض الجهات ؛ فإنّ المراد منه هو الحكم الفعلي الذي يسقط عن الفعليّة من جهة منافاته مع فعليّة ما يخالفه من الأحكام الظاهريّة سواء كانت هي مفاد الأمارات أو الاصول ، ولذا جعل الحمل على
__________________
(١). الاصول ٣ : ٩٤ ـ ٩٥.